قد يكون عمر النكبة قد طال اكثر مما ينبغي ، او على الاقل
اطول مما كان يتوقعه آباؤنا و اجدادنا الذين تركوا ديارهم
و ارزاقهم و خرجوا على وقع المجازر المتدحرجة من قرية
لاخرى و من مدينة لمدينة . و لأن قادة و ضباط جيش الانقاذ
قد وعدوا بحسم الصراع في وقت قياسي ، و طمأنوا اهلنا بأن
القوة الموجودة قادرة على تحطيم المشروع الصهيوني في فلسطين،
فإن الفلسطيني كان يعتقد ان الوطن بايد امينة . لم يفكر ابدا
بأن من تجاوز الحدود سيخدعه و ينسحب بخفي حنين بعد
ان يقضي على رجال الدفاع الشعبي الفلسطيني المسلح .
لم يتوقع الفلسطيني الذي كان عرضة لمؤامرة دولية ان من بين
القيادات المسؤولة عن الجيش العربي كان رجل انكليزي .
لهذ فإن كثيرا من المواقع التي تحررت بايدي الثوار الفلسطينيين
اخذها منهم جنود جيش الانقاذ و طلبوا منهم الانسحاب
على ان يتكفلوا بحمايتها و مواجهة اية هجمات قد تتعرض لها،
ثم بعد ذلك يتفاجؤون بان العصابات الصهيونية قد استعادت
السيطرة عليها !كان بعض الفلسطينيين يقولون بثقة :
"نبعد اولادنا عن مواقع الخطر لايام و نعود بعدما تكون بلادنا
قد تطهرت من عصابات الصهاينة ". هذا ما كان يعتقده آباؤنا،
مسألة ايام و ينتهي كل شئ ! لكن الايام توالدت اياما و سنوات،
و لم يتخل من بقي حيا من آبائنا عن حلم العودة و تحقيق النصر.
لقد علم الفلسطيني انه كان ضحية مؤامرة مركبة من اطراف محلية
و اقليميه و دوليه ، و عليه ان يمر بمرحلة قاسية من اللجوء
و القهر الى ان يتمكن من رسم طريقه للتحرير و العودة .
ان اي قارئ للتاريخ يعلم بان فلسطين كانت عرضة لاطماع
الكثيرين من الغزاة و الفاتحين ، و انها كانت كلما تعرضت
لاحتلال تقاوم بكل ما اوتيت من عزيمة و ارادة حتى تحررها
من جديد ، كل الغزاة مروا و ذهبوا و بقي الشعب الفلسطيني
في هذا الوطن المقدس منذ ان قدم اليه اجدادهم العرب
قبل اكثر من خمسة آلاف عام .
لم يتمكن اي احتلال من الاستمرار في فلسطين ، لان شعبها
العريق و القديم لم يتركها لغيره و لن يتركها الى قيام الساعة .
بعد ثمانية و ستون عاما على النكبة ، و بالرغم من الآلام
و المآسي التي تعرض لها شعبنا في مخيمات اللجوء ، و داخل
فلسطين ، فان هذا الشعب يزداد تصميما على المضي قدما في طريق
المقاومة كنهج وحيد لدحر الاحتلال و استعادة الوطن السليب .
هاهي الانتفاضة المباركة ، انتفاضة القدس قد حققت اهم اهدافها
في منع عصابات المستوطنين من تدنيس الاقصى ، و اوقفت
مخطط التقسيم الزمني و المكاني لاولى القبلتين و ثالث الحرمين .
و بقي على الامة ان تصحو و تتنبه للخطر الصهيوني الذي
لا يستهدف فلسطين وحدها بل الامة كلها من محيطها الى خليجها .
يجب ان تتخلص امتنا من طغاتها الذين يحكمونها و يعبثون
بمقدراتها و يساهمون مساهمة فعالة في حماية الوجود الاحتلالي
الصهيوني . فلو كانت الامة بعافيتها ، توظف امكاناتها و عقول
ابناءها في خدمة قضاياها لما بقي الاحتلال الى هذا الوقت .
ان الحكام الذين تآمروا مع الاستعمار و الصهيونيه ابان النكبة
قد تناسخوا و اعادوا انتاج انفسهم لاكثر من سبعين عاما .
بل هم اليوم يملكون قدر اكبر من المكر و الخداع و الدموية ، و مرتبطين
اكثر بالمعسكر الصهيوني الامبريالي المعادي لوحدة الامة و نموها .
لقد استطاع الاستعمار القديم و العصابات الصهيونيه بالتواطؤ الرسمي
العربي ان يطيحوا بالحلم الفلسطيني في مرحلة عصيبة من التاريخ ،
لكنهم اسسوا لواقع غير مستقر لا احد يعلم مداه ، و مهدوا لصراع
لن ينتهي الا بزوال الاحتلال .
ان من يملك زمام المبادرة هو من يتحكم بالاحداث و يغير بالوقائع
و يكون مصدر الاخبار . و هاهو الفلسطيني قد تمكن من الدخول
في الممر الاجباري المؤدي للتحرير و العودة ، و اخذ زمام المبادرة
و علم ان طريقه لاستعادة حقوقه لا يكون الا بالكفاح و المقاومه .
ان التخلص من تبعات النكبة لا يكون الا بالبندقية ، فكل الخيارات
جُربت و فشلت الا خيار البندقية جُرب عندنا و عند غيرنا و حقق النصر .

