recent
أخبار الساخنة

*و إن جارت علي عزيزة بقلم:ماهر الصديق*

الصفحة الرئيسية


قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخاطب مكة يوم هجرته الى المدينة :

" والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضٍ إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني

ما خرجت منك " . الاوطان اغلى من الانفس ، و لو ان الكرامة توفرت

في الوطن ما ترك عاقل وطنه مهما كانت الظروف . في مسقط الرأس

تكمن ذكريات الطفولة و ايام الصبا ، هناك حيث التصقت الروح بالارض

و فاضت المشاعر بواقعية الحياة في حلوها و مرها . على تلك الارض

ترعرع الجسد و معه الماضي و احلام المستقبل و التصق الخيال في كل

شئ : في نسائم الزهور ايام الربيع ، و في رائحة الارض و اصوات الرذاذ

على الاسطح في الشتاء ، في جمال الطبيعة الخريفي و اتساع وقت

النهار و اجتماع الكبار على قوارع الطرق . و في الصيف حيث يجتمع

الناس في الباحات و تمتلئ المنازل بخيرات الاراضي و تكثر المناسبات

السعيدة و الاعراس ، و فوق كل هذا كان الانعتاق المؤقت من المدارس .

كل شيئ في الوطن رائع و اروع ما فيه ناسه في طيبتهم و في جودهم و عزة

انفسهم و شهامتهم و ابتساماتهم ، كل شئ هنا يؤكد ان للحياة قيمة ، و ان

الحياة ليست اموال و سيارات و منازل فارهة ، الحياة ليست رفاهية لا منغصات

فيها ، بل الحياة مزيج من كل شئ و اعلى و اثمن ما فيها كرامة الانسان .

اما عندما تداس كرامة الانسان في وطنه فيضطر المواطن للبحث عن بدائل

تسلخ جسده عن الوطن الذي احب . يحمل الوطن في قلبه بكل ما فيه من

ذكريات جميلة و اليمة ، يبقى الوطن في الذاكرة المتوقدة ، كما بقيت مكة

في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم و هم في الحبشة حيث يعيش اجناس

يختلفون عنهم في اللغة و العادات و الدين و في كل شئ عدا الانسانية التي

تجمعهم و العدل الذي يميز النجاشي عن الجور الذي كان عند زعماء مكة .

لا يمكن لعاقل سوي ان يدير ظهره للوطن الام عندما يستقر في وطن آخر ،

و لو توفر الحد الادنى من العيش الكريم في الوطن لما بقي احد في غربته .

و لا يمكن ان يتوفر العيش الكريم الا في ظل نظام عادل ، هذا النظام الذي

يجب ان يسعى اليه كل مخلص حتى لا يستنزف الوطن ابنائه ، و حتى لا تبقى

الاوطان الا لعملاء الصهيونية و الماسونية و من جارهم و سار معهم و استسلم

لرغباتهم و لمن باعوا دينهم و كرامتهم و مستقبل الاجيال لحاكم فاسد مستبد .

الوطن ليس النظام .. الوطن ليس الحاكم .. الوطن ليست العائلات المتوارثة

للحكم .. الوطن ليس الحزب الذي يبتلع البلاد و يفرض سطوته بالحديد و النار.

الوطن هو مجموعة الناس الذين بنوه ابا عن جد و اقاموا فيه و احبوه و دافعوا

عنه ، هو مولدهم و باطن ارضه مأهواهم عند الموت . الوطن هو المحبة

و التكاتف و الوحدة و التكافل ، الوطن هو الحرية و العدالة و الكرامة ، هو

الماضي و الحاضر و المستقبل . لا يمكن ان يكون الوطن عبارة عن المزيفيين

للتاريخ قطاع الطرق الذين يسلبون خيراته و يسطون على الحكم بالاكراه و القمع.

تبقى الاوطان لاصحابها مهما تباعدت المسافات و الازمان ، و مهما مرت عليها

من الهموم و المحن ، و مهما تكالبت عليها قوى الشر و عملاء اليهود .

رحم الله الشاعر إذ يقول : بلادي و إن جارت علي عزيزة ... أهلي و إن ظنوا

علي كرام . الاوطان لا تشترى او تباع ، و ليست اختيار و رغبات ،انها ماض

و حاضر و مستقبل . و اغلى ما في بلادنا قداستها ، انها مواطن الانبياء

عليهم السلام ، و مهوى قلوبهم ، في هذه البلاد يرقد الانبياء و الصحابة

و الاولياء و الائمة و الصالحين . هنا في باطن الارض آباؤنا و اجدادنا

و احباؤنا ، هنا يتواجد من احببناهم و احبونا ، و عشنا معهم حلاوة الحياة

و مرها ، و هنا نأمل ان تسعنا باطنها ان لم تحتملنا ظاهرها . رحم الله

ابي تمام إذ يقول :

نَقِّلْ فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِن الهَوى -- مالحُبُّ إلاّ للحَبيبِ الأوَّلِ

كَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفَتى -- وحَنينُهُ أبداً لأوَّلِ مَنزِلِ



google-playkhamsatmostaqltradent