713- ولما كان يوم الأحد قبل وفاة النبي ﷺ بيوم اشتد به ﷺ المرض ، فوصلت الأخبار إلى جيش أسامة رضي الله عنه فرجع إلى المدينة .
714- بات النبي ﷺ ليلة الإثنين دَنِفاً – يعني اشتد مرضه حتى أشرف على الموت – فلما طلع الفجر أصبح مُفيقاً ﷺ .
715- فكشف رسول الله ﷺ ستر حُجرته ، ونظر إلى الناس وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فتبسم لِمَا رأى من اجتماعهم .
716- قال أنس رضي الله عنه :
*" كأن وجهه ﷺ وَرَقَة ُمُصْحف – هو عبارة عن الجمال البارع – فهممنا أن نَفْتتن من الفرح برُؤية رسول الله ﷺ "* .
717- ثم أخبرهم رسول الله ﷺ بأنه لم يَبْق من أمر النبوة إلا المبشرات ، وهي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن في منامه .
رواه مسلم
718- فلما رأى الناس رسول الله ﷺ قد أصبح مُفيقاً ظَنُّوا أنه قد بَرِئ من مرضه ، فانصرفوا إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين .
719- واستأذن أبو بكر الصديق رضي الله عنه رسول الله ﷺ في الخروج إلى أهله في منطقة السُّنْح في عوالي المدينة ، فأذن له النبي ﷺ .
720- فلما كان ضُحى يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11 هـ ، إشتد على رسول الله ﷺ مرضه وجعل يتغشاه بأبي هو وأمي ﷺ الكرب الشديد .
721- فقالت فاطمة رضي الله عنها :
*" واكَرْبَ أبتاه "* ، فقال ﷺ :
*" لا كَرْب على أبيك بعد اليوم ، إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتاركٍ منه أحداً "* .
722- وبينما رسول الله ﷺ يُعاني سكرات الموت ، وعائشة رضي الله عنها مُسندته على صدرها ، وبين يديه ﷺ إناء فيه ماء .
723- فجعل النبي ﷺ يُدخل يَدَيه في الماء فيمسح بهما وجهه ، ويقول ﷺ :
*" لا إله إلا الله إن للموت سكرات "* .
724- ثم نَصَبَ ﷺ يَده ، فجعل يقول ﷺ :
*" في الرفيق الأعلى "* ، فَقُبض ، ومالَتْ يده ﷺ .
725- وفي رواية قالت عائشة رضي الله عنها :
*" كنت مُسندته إلى صدري ، فدعا بطَسْت ، فلقد انْخَنَثَ – أي مال – في حِجْري ، فما شعرت أنه مات "* .
726- وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله قالت عائشة رضي الله عنها :
*" فبينما رأسه ﷺ على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي ، فظننت أنه غُشي عليه "* .
727- وفي رواية أخرى قالت عائشة رضي الله عنها :
*" قُبض النبي ﷺ ورأسه بين سَحْري ونَحْري ، فلما خرجت نفسه لم أجد ريحاً قط أطيب منها "* .
728- وكانت وفاته ﷺ بأبي هو وأمي ضُحى يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11 هـ ، وعمره 63 .
729- وشاع خبر وفاة النبي ﷺ في المدينة ، ونزل خبر وفاته ﷺ على الصحابة رضي الله عنهم كالصاعقة ، لشدة حُبِّهم له .
730- ودخل الصحابة رضي الله عنهم على النبي ﷺ في بيت عائشة رضي الله عنها ، ينظرون إليه ، وقالوا :
*" كيف يموت وهو شهيد علينا ، ونحن شهداء على الناس "* ؟ .
731- وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ودخل على النبي ﷺ ، فلما رآه ، قال :
*" واغَشَيَاه ، ما أشَدَّ غَشْي رسول الله ﷺ "* .
732- ثم خرج عمر رضي الله عنه من عند النبي ﷺ سالاً سيفه ويتوعد الناس ويقول :
*" والله لا أسمع أحداً يقول : مات رسول الله ﷺ إلا ضربته بالسيف "* .
733- وقال أيضاً رضي الله عنه :
*" إن رسول الله ﷺ ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى ، والله ليرجعن رسول الله ﷺ كما رجع موسى ، فليقطعنَّ أيدي رجال وأرجُلَهم زعموا أنه مات "* .
734- وهكذا لم يتمالك عمر رضي الله عنه نفسه من هول مصيبة موت النبي ﷺ .
734- كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه غائباً لما مات رسول الله ﷺ ، كان قد استأذن النبي ﷺ في الذهاب لمنطقة السُّنْح .
736- فانطلق أحد الصحابة إليه ، وأخبره خبر موت النبي ﷺ ، وأن الناس في حال لا يعلمه إلا الله سبحانه .
737- فانطلق أبو بكر الصديق رضي الله عنه مُسرعاً على فرسه حتى دخل المسجد النبوي ، وإذا بالناس يَبكون ، وعُمر رضي الله عنه شاهراً سيفه يُكلم الناس .
738- فلم يَلتفت أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى شيء من ذلك ، ودخل على النبي ﷺ وهو مُسجى على سريره ، وكشف عن وجهه الطاهر .
739- وقال رضي الله عنه :
*" إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم أكبَّ عليه فقبله وهو يبكي ، ويقول : طبت حياً وميتاً يا رسول الله "* .
740- *" والله لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد ذُقتها ، ثم لن يُصيبك بعدها موتة أبداً ثم غطى النبي ﷺ "* .
741- ثم خرج رضي الله عنه للناس ، وهم ما بين منكر ، وحائر من هول المصيبة ، ورأى عمر رضي الله عنه وهو يُهدد ويتوعّد من يقول بموت النبي ﷺ .
742- فقال أبو بكر رضي الله عنه :
على رِسلك – يعني مهلك – يا عمر ، فأبي عمر أن يسكت فلما رآه لا ينصت أقبل أبو بكر رضي الله عنه على الناس .
743- وبدأ أبو بكر رضي الله عنه يخطب في الناس ، فلما سمعوا كلامه أقبلوا عليه ، وتركوا عمر رضي الله عنه .
744- فقال أبو بكر رضي الله عنه :
*" أيها الناس مَن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت "* .
745- قال الله تعالى :
*" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم "* ؟؟؟ ….
746- قال ابن عباس رضي الله عنهما :
*" والله لكأنَّ الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه "* .
747- وأخذ البكاء والنشيج في المدينة على موت النبي ﷺ ، ولم تَمر بالأمة مُصيبة أعظم من موت النبي ﷺ .
748- فلما بُويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة ، وذلك يوم الثلاثاء ، أراد آل النبي ﷺ غَسْله ، واختلفوا في ذلك .
749- فقالوا : والله ما ندري كيف نَصنع ، أنُجرد رسول الله ﷺ كما نُجرد موتانا أم نَغْسِله وعليه ثيابه .
750- فأصابهم كلهم النُّعاس فناموا جميعاً ، وسُمِع صوتٌ يقول لهم :
*" إغْسِلوا رسول الله ﷺ وعليه ثيابه "* .
751- فلما استيقظوا ، أخبر بعضهم بعضاً بالذي سَمِعوا ، فقاموا إليه ، فَغَسَلوا رسول الله ﷺ وعليه ملابسه بأبي هو وأمي ﷺ .
752- وكان الذين تولُوا غَسْل النبي ﷺ :
علي بن أبي طالب ، والعباس عم النبي ، وأبناؤه : الفضل بن العباس، قثم بن العباس ، وأسامة بن زيد ، وشُقران مولى النبي ﷺ رضي الله عنهم .
753- فكان العباس والفضل وقُثم رضي الله عنهم يُقلِّبون النبي ﷺ، وأسامة وشُقران رضي الله عنهما يَصُبَّان الماء ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يَغْسِل النبي ﷺ .
754- فلما فرغوا من غَسْل رسول الله ﷺ كُفِّن بأبي هو وأمي في 3 أثواب بيض ، ثم وُضِع النبي ﷺ على سريره في بيت عائشة .
755- ثم أُذِن للناس بالدخول على رسول الله ﷺ ليُصلُوا عليه ، ولا يَؤمهم أحد . وهذا أمر مُجمع عليه ولا خلاف فيه .
756- فلما فَرغوا من الصلاة على النبي ﷺ أخذ الصحابة يتشاورون أين يدفنونه ؟؟ فاختلفوا في ذلك .
757- فأرسلوا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فقال : سمعت النبي ﷺ يقول :
*" ما قَبض الله نَبيّاً إلا في الموضع الذي يُحب أن يُدفن فيه "* .
758- وحُفر قبر النبي ﷺ في الموضع الذي مات فيه ، وهو في بيت عائشة رضي الله عنها ، ودخل قبر النبي ﷺ العباس وعلي والفضل رضي الله عنهم .
759- ووضَع شُقران مولى النبي ﷺ في قبر النبي ﷺ قَطيفة – أي كساء – حمراء ، ثم أنزلوا رسول الله ﷺ في قبره بأبي هو وأمي ﷺ .
760- وكان آخر الناس عهداً بالنبي ﷺ هو قُثم بن العباس رضي الله عنه ، وتم دفن النبي ﷺ ليلة الأربعاء صلوات ربي وسلامه عليه .
761- وحزن الصحابة حزناً شديداً على وفاة النبي ﷺ . قال أنس رضي الله عنه :
*" ما رأيت يوماً قط أظلم من اليوم الذي تُوفي فيه النبي ﷺ "* .
*(( الحلقة الحزينة جداً 31 والأخيرة ))* .
وبهذا تم بحمد الله اكتمال سلسلة السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم .. لفضيلة الأستاذ الشيخ موسى بن راشد العازمي حفظه الله ، وسنبدأ غداً بإذن الله تعالى بسرد سلسة :
*(( من الهدي النبوي ))* ... بإذن الله تعالى .
تحياتي لكم
جزى الله خيراً كل من ساهم في إنجاز هذا العمل وعمل على نشره أو نقله ف *( رُب مبلغ أوعى من سامع )* ونحتسب أجرنا وأجركم عند الله سبحانه وجعله الله في ميزان حسناتنا جميعاً وفي ميزان حسنات الكاتب الكريم .
وفي الختام أسأل الله أن يرزقنا محبة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه