القرار الأمريكي حول حظر كامل على دخول حاملي وثائق السفر الصادرة عن السلطة الفلسطينية إلى الأراضي الأمريكية، إلى جانب إدراج دول جديدة ضمن قائمة الحظر.
أولاً: دلالات القرار على المستوى السياسي.
يمثّل المرسوم الرئاسي الأمريكي نقلة نوعية في التعاطي مع السلطة الفلسطينية، إذ لا يستهدف أفراداً أو فصائل بعينها، بل يطعن بشكل مباشر في شرعية الوثيقة الرسمية الصادرة عنها. وهذا يحمل رسالة سياسية واضحة مفادها أن واشنطن لم تعد تنظر إلى السلطة الفلسطينية ككيان قادر على ممارسة وظائف سيادية أساسية، وعلى رأسها ضبط الأمن والتحقق من الهوية.
إدراج وثائق السفر الفلسطينية ضمن دائرة الحظر يرقى إلى إجراء سيادي عقابي، ويعكس تراجعاً إضافياً في مستوى الاعتراف السياسي العملي بالسلطة، حتى وإن لم يُعلن ذلك صراحة. وهو تطور يتجاوز إطار “الإجراءات الأمنية” إلى إعادة تعريف العلاقة السياسية بين الطرفين.
ثانياً: البعد الأمني… المبرر أم الذريعة؟
البيت الأبيض برّر القرار بثلاثة عناصر أساسية:
1. نشاط جماعات مصنّفة “إر/ها~بية”.
2. مقتل مواطنين أمريكيين.
3. ضعف آليات التدقيق والسيطرة الأمنية.
غير أن هذا التبرير يثير تساؤلات جوهرية:
• لم يُقدَّم دليل علني يربط بشكل مباشر بين وثائق السلطة الفلسطينية وتهديدات أمنية داخل الولايات المتحدة.
• الحجة المتعلقة بـ”ضعف السيطرة على الأرض” تُستخدم هنا كذريعة لتجريم الوثيقة لا الفاعل، أي معاقبة جما~عية بدل مساءلة محددة.
• الإدارة الأمريكية سبق أن تعاملت مع دول تعاني من حروب أهلية وانهيار أمني دون الوصول إلى حظر كامل لوثائقها، ما يفتح باب الشك في الانتقائية السياسية.
ثالثاً: إدراج الفلسطينيين ضمن سياسة الحظر الموسّع.
وضع الفلسطينيين في سلة واحدة مع دول مثل سوريا ومالي والنيجر يحمل دلالة رمزية خطيرة:
• يُعاد تصنيف الفلسطيني، سياسيًا وأمنياً، كـ”خطر محتمل” لا كضحية نزاع ممتد.
• يتم إخراج القضية الفلسطينية من سياقها السياسي–التحرري إلى سياق أمني صرف، وهو تحول يخدم الرواية الإسرائيلية–الأمريكية التقليدية.
كما أن توسيع الحظر ليشمل دولاً إفريقية وآسيوية يؤكد أن القرار ليس معزولاً، بل جزء من عقيدة سياسية أمنية ترى في الجنوب العالمي مصدر تهديد دائم.
رابعاً: التداعيات الإنسانية والاجتماعية.
القرار يحمل آثاراً إنسانية مباشرة:
• حرمان المرضى من العلاج.
• تعطيل فرص التعليم والمنح.
• تفكيك الروابط العائلية.
الأخطر أن الفلسطيني لا يملك بدائل سيادية لوثيقة السفر، بخلاف مواطني الدول الأخرى. وبالتالي فإن الحظر هنا لا يقيّد السفر فحسب، بل يعمّق حالة الحصار والعزل الوجودي المفروضة اصلاً على الفلسطيني.
خامساً: البعد القانوني والدولي.
من منظور القانون الدولي:
• القرار يتعارض مع مبدأ عدم العقاب الجماعي.
• يقوّض حق التنقل المكفول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
• يكرّس منطق “الاشتباه بالهوية” بدل السلوك الفردي.
كما أن استهداف وثيقة صادرة عن سلطة معترف بها دولياً– ولو بحدود – يضع واشنطن في موقع القاضي والخصم معاً، ويضعف أي ادعاء أمريكي بالحياد أو الوساطة مستقبلاً.
سادساً: السياق السياسي الأوسع.
القرار ينسجم مع:
• سياسة ترامب التقليدية في تسييس الهجرة.
• محاولة كسب الداخل الأمريكي عبر خطاب أمني متشدد.
• إعادة إنتاج “حظر المسلمين” بصيغة جديدة أكثر اتساعاً وأقل صراحة.
وهو ايضاً رسالة ضغط غير مباشرة على القيادة الفلسطينية، مفادها أن ثمن البقاء خارج الإملاءات السياسية سيكون مزيداً من العزل.
الخلاصة
هذا المرسوم لا يمكن فهمه كإجراء إداري أو أمني فقط، بل هو:
• قرار سياسي عقابي بامتياز.
• يمس جوهر الاعتراف بالتمثيل الفلسطيني.
• يعمّق عزل الفلسطيني كفرد وشعب.
• ويفتح مرحلة جديدة من التعامل الأمريكي مع القضية الفلسطينية عنوانها:
الأمن بدل السياسة، والعقاب الجماعي بدل الحلول.
وإذا استمر هذا النهج، فإن تداعياته لن تقتصر على السفر والهجرة، بل قد تمتد لتقويض ما تبقى من الإطار السياسي الدولي للقضية الفلسطينية.
الاء عليان

