recent
أخبار ساخنة

حين يصبح العمل مغامرة فلسطين 2025 العامل الفلسطيني في عام 2025 اقتصاد مُحاصَر وكرامة تُستنزف




20\12\2025
الاء عليان

مع اقتراب نهاية عام 2025، يمرّ العمال الفلسطينيون بمرحلة تُعدّ من الأخطر والأكثر تعقيداً منذ عقود، حيث تداخلت عوامل الاحتلال، والحر.ب، والانهيار الاقتصادي، وضعف السياسات الداخلية، لتنتج واقعاً قاسياً لم يعد فيه العمل ضماناً للعيش، بل مخاطرة يومية تمسّ الكرامة والحياة معاً. إن قراءة واقع العمال في هذا العام لا يمكن فصلها عن السياق السياسي والأمني والاقتصادي الأشمل، لأن العامل الفلسطيني هو أول من يدفع ثمن الأزمات وآخر من تُحسب له الحسابات.


• عام 2025… تفكك سوق العمل الفلسطيني

دخل عام 2025 وسوق العمل الفلسطيني يعاني اصلاً من اختلالات بنيوية عميقة، لكنه خرج منه أكثر هشاشة وعجزاً. فقد أدّت سياسات الاحتلال، خصوصاً الإغلاقات المشددة، وتشديد الحواجز، والتقليص الواسع لتصاريح العمل داخل الخط الأخضر، إلى حرمان عشرات آلاف العمال من مصدر رزقهم الأساسي بين ليلة وضحاها.
هذا الانقطاع المفاجئ للدخل لم يُقابله أي بديل حقيقي داخل السوق المحلي، الذي يعاني اصلاً من ضعف الاستثمار، وانكماش الإنتاج، وتراجع القدرة الشرائية.


في الضفة الغربية، تعطّلت قطاعات حيوية مثل الإنشاءات، والزراعة، والنقل، والخدمات، بسبب غياب الطلب وانعدام السيولة. أما في قطاع غزة، فقد تحوّل العمل إلى حالة استثنائية في ظل الدمار الواسع، حيث دُمّرت المصانع وورش العمل، وتوقّف الصيد والزراعة والصناعات الصغيرة، ما جعل البطالة واقعاً شبه شامل، لا سيما بين فئة الشباب.


• البطالة والفقر حلقة مغلقة

في عام 2025، لم تعد البطالة ظاهرة مؤقتة يمكن تجاوزها، بل أصبحت حالة بنيوية طويلة الأمد. آلاف العمال أمضوا شهوراً طويلة دون عمل، ما أدّى إلى استنزاف المدخرات البسيطة، وتراكم الديون، والاعتماد المتزايد على المساعدات، إن وُجدت. ومع غياب الدخل، تراجعت القدرة على تأمين الغذاء والعلاج والتعليم، ما انعكس بشكل مباشر على الاستقرار الأسري والصحة النفسية.


الأ.خطر من ذلك أن البطالة طالت عمالاً مهرة وأصحاب خبرات طويلة، ما يعني تعطيل رأس المال البشري الفلسطيني، وتحويل الطاقات المنتجة إلى عبء قسري، الأمر الذي يهدّد المستقبل الاقتصادي والاجتماعي على المدى البعيد.


• فجوة الأجور واستغلال الحاجة

حتى من نجح في إيجاد عمل داخل السوق المحلي في عام 2025، وجد نفسه أمام أجور متدنية لا تتناسب مع تكاليف المعيشة. هذه الفجوة الواسعة بين الدخل والاحتياجات الأساسية دفعت كثيراً من العمال إلى القبول بشروط عمل مجحفة: ساعات طويلة، غياب عقود رسمية، وانعدام شروط السلامة المهنية.


في المقابل، ظلّ العمل داخل الخط الأخضر، رغم مخاطره، أكثر جذباً بسبب ارتفاع الأجور نسبياً. غير أن هذا الخيار كان محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً في ظل توقف التصاريح، ما دفع آلاف العمال إلى العبور بطرق غير نظامية، معرضين أنفسهم للاعتقال، أو الإصابة، أو حتى الموت، في سبيل لقمة العيش.


• الاحتلال والعمل كأداة عقاب وانتهاك للحقوق

في عام 2025، استخدم الاحتلال ملف العمل الفلسطيني بشكل واضح كأداة ضغط وعقاب جماعي، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق العمال. فتصاريح العمل لم تعد مرتبطة بالحاجة الاقتصادية، بل خضعت لمعايير أمنية وابتزازية، تُمنح وتُسحب تعسفياً، ما يُحوّل لقمة العيش إلى سلعة تحت سلطة القرار العسكري.


كما أدت الحواجز العسكرية والجدار الاستيطاني إلى تحويل الطريق إلى العمل إلى رحلة إذلال يومية، تُهدر فيها ساعات طويلة من العمر، وتُستنزف الطاقة الجسدية والنفسية، قبل بدء يوم العمل. إضافة إلى ذلك، شكّل مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني ضربة مباشرة للزراعة والقطاعات الإنتاجية، حرم آلاف العمال والمزارعين من الوصول إلى أراضيهم، وأدّى إلى فقدان وظائف واسعة.


في قطاع غزة، جاءت الاعتداءات العسكرية وتدمير البنية التحتية لتفاقم الأزمة، حيث دُمّرت المصانع والموانئ والمناطق الصناعية، ما أفقد آلاف العمال وظائفهم ودمّر أي فرصة لتعافي سوق العمل في المدى القريب.


أما العمال داخل الخط الأخضر، فواجهوا انتهاكات جسيمة تشمل الاستغلال، وغياب شروط السلامة المهنية، والحرمان من حقوقهم العمالية الأساسية، خصوصاً غير الحاصلين على تصاريح، مما يضعهم في مواجهة مباشرة مع الانتهاك القانوني الدولي وغياب العدالة.


• العامل ضحية الحرب والعدوان

لم يكن العامل الفلسطيني في 2025 مجرد متضرر غير مباشر من الحر.ب، بل كان ضحية مباشرة لها. فقد آلاف العمال أماكن عملهم تحت القصف، أو أُجبروا على النزوح، أو فقدوا زملاءهم ومعيلي أسرهم. ومع تدمير البنية التحتية، تلاشى الأمل بعودة سريعة للحياة الاقتصادية، ما عمّق الإحباط والشعور بانسداد الأفق.


• الآثار الاجتماعية والنفسية

انعكس هذا الواقع القاسي على النسيج الاجتماعي الفلسطيني. فقد ارتفعت مستويات التوتر الأسري، وزادت حالات التسرب المدرسي، وتفاقمت الأزمات النفسية لدى العمال الذين يشعرون بالعجز عن توفير احتياجات أسرهم. وتحول العمل من مصدر للكرامة إلى عبء نفسي ثقيل، يرافقه خوف دائم من الغد.


•القطاع الحكومي راتب متأخر وكابوس المعيشة

موظفو الحكومة في فلسطين يعانون منذ سنوات من تجميد الرواتب وتأخير صرف المستحقات، لكن عام 2025 كان الأعنف. التحديات الاقتصادية المصاحبة للحصار والتقشف أجبرت الكثير من الموظفين على مواجهة صعوبات كبيرة في تأمين الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم: الغذاء، العلاج، التعليم. الطابع البيروقراطي الذي يسيطر على صرف الرواتب يقابله إرهاق نفسي ومعيشي كبير، خصوصاً للأسر التي تعتمد كلياً على دخل الموظف الحكومي. كل يوم يمر يزيد الضغط على الأسر، ويجعل العمل تجربة قاسية تتجاوز حدود الوظيفة لتصبح امتحاناً يومياً للكرامة الإنسانية.


•السياحة قطاع محطم وحياة معلقة

يعد قطاع السياحة أحد المصادر الاقتصادية التقليدية في فلسطين، لكنه شهد انهياراً شبه كامل. الإغلاقات المتكررة، والحواجز العسكرية، وتداعيات الأزمات الأمنية، أدت إلى تراجع أعداد السياح إلى مستويات متدنية، ما أفقد آلاف العاملين في الفنادق والمطاعم والمواقع السياحية وظائفهم أو قلّص أجورهم بشكل كبير. العاملون في السياحة أصبح كل يوم عمل بالنسبة لهم معركة للبقاء على قيد الحياة، فالاعتماد على موسم قصير أو دخل موسمي لم يعد خياراً مستداماً، بل تحدياً يومياً لتأمين لقمة العيش والاحتياجات الأساسية لعائلاتهم.


•الاحتلال وأثره المباشر على الحياة الإنسانية

ممارسات الاحتلال لم تقف عند حدود المنع عن العمل، بل امتدت لتشمل الا.عتد.اء على الحياة اليومية للعمال والموظفين، سواء من خلال الحواجز، أو الإغلاقات، أو التضييق على تنقلاتهم داخل وخارج المدن الفلسطينية. الموظف الحكومي لا يستطيع الوصول إلى مقر عمله بسهولة، والعامل في السياحة يواجه فقدان فرص الدخل بسبب القيود الأمنية المستمرة. كل ذلك يحول الحق في العمل إلى ساحة صراع يومية، ويزيد من هشاشة الوضع المعيشي والنفسي للأسر الفلسطينية، ليصبح كل يوم فرصة لتأكيد الصمود أو تجربة الفشل.


•الجانب الإنساني والمعيشي

الواقع في عام 2025 يظهر بوضوح أن المعاناة الاقتصادية والاجتماعية ليست مجرد أرقام أو نسب بطالة، بل حياة يومية مليئة بالقلق والخوف على المستقبل. أسر العمال والموظفين الحكوميين والعاملين في السياحة تعيش على حافة الانهيار، يحاولون توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية وسط غياب الأمان الوظيفي، بينما يشعر الأطفال والطلاب بالتبعات المباشرة على التعليم والحياة اليومية. كل يوم يمر يضيف مزيداً من الضغط النفسي والمعيشي، ويحوّل العمل من مصدر للكرامة إلى اختبار مستمر للصمود، لكنه في الوقت نفسه يكشف قوة الإنسان الفلسطيني في مواجهة القهر.


•توحيد الجهود العمالية… قوة الإنسان وصوت الكرامة

وسط هذه التحديات، يظهر بوضوح أن توحيد الجهود العمالية ليس خياراً بل ضرورة حيوية. العمال وموظفو الحكومة والعاملون في السياحة يجدون في التضامن العمالي قوة حقيقية لمواجهة الانتهاكات الاقتصادية والاجتماعية، والمطالبة بحقوقهم المشروعة، وحماية حياتهم ومعيشتهم. العمل الجماعي يعزز الضمان الاجتماعي، ويوفر منصة لرفع الصوت بشكل جماعي مسموع، ويحول المعاناة الفردية إلى حركة تضامن قوية، قادرة على الدفاع عن الكرامة الإنسانية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.


إن التكاتف العمالي ليس مجرد وسيلة لتحسين الأجور أو شروط العمل، بل استراتيجية للبقاء ولحماية الإنسانية نفسها. كل خطوة جماعية تعيد العمل إلى مكانته كحق إنساني وركيزة للصمود الوطني، وتجعل من الكرامة والأمل سلاحاً في مواجهة القهر اليومي.


•صمود رغم القهر

رغم كل الصعوبات، يواصل الفلسطينيون صمودهم، موظفو الحكومة يحاولون الحفاظ على كرامتهم المهنية، والعمال يبحثون عن أي فرصة للبقاء ضمن سوق العمل، ما يجعل واقعهم شهادة حية على قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود رغم القهر والاستنزاف.


يقف العامل الفلسطيني عند مفترق طرق خطير. فإما أن يستمر هذا الواقع القائم على الاستنزاف والقهر، بما يحمله من مخاطر اجتماعية واقتصادية جسيمة، أو أن تُتخذ خطوات وطنية عاجلة لإعادة الاعتبار للعمل كحق إنساني وركيزة للصمود.


مع نهاية 2025، أصبح واضحاً أن أي خطة وطنية لإعادة الاعتبار للعمل يجب أن تراعي الجانب الإنساني والمعيشي بشكل عميق، وتضمن حماية حقوق العاملين في جميع القطاعات، خصوصاً الحكومية والسياحية، مع تشجيع توحيد الجهود العمالية كأداة مواجهة استراتيجية، لاستعادة الكرامة والقدرة على العيش بسلام، ولتحويل العمل إلى رمز للصمود الوطني والوحدة الإنسانية.


وعليه، تبرز الحاجة إلى تبنّي سياسات وطنية شاملة تهدف إلى تنشيط سوق العمل، وتوسيع برامج التشغيل، وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، وضمان حقوق العمال، بما يحدّ من تداعيات الانتهاكات الاحتلالية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين.
google-playkhamsatmostaqltradent