الباحث في معنى الثورة ، سيجد الكثير من التعريفات ، والعديد من المفاهيم لمعنى الثورة ، ، وهذا ما يؤكد صعوبة تحديد مفهوم متفق عليه لمعنى الثورة ، بسبب تنوع فهم للمصطلح وتنوع مقاربات الباحثين والمفكرين منه، كل حسب إيديولوجيته وحسب موقعه ومراده، وحسب الجهة التي ينتمي اليها وينظر للحدث من خلالها.
لاشك بأن لاندلاع ثورات الشعوب أسباب وعوامل ، جعلتها أمام خيار واحد وهو الثورة ، بعد أن أغلقت الأبواب في وجهها ووصلت أوضاعها إلى درجة لم تعد تحتمل ، فتختار طريق الثورة والانتفاضة لتحرير الأرض وتحقيق العدالة ووقف النهب والفساد والاستبداد وكسر جدار الخوف واليأس والاحباط .
فالشعب يثور من أجل تحقيق مصالحه ومصالح وطنه في حياة حرة كريمة ، ومن أجل العدالة الاجتماعية بعيدا عن القهر والظلم والنهب والمحسوبيات والامتيازات .
حدد أصحاب الفكر اليساري معنى الثورة بشروط تتعلق بوجود الحزب وقيادته لها، والسعي للقطع النهائي مع النظام القائم. ولقد كان هذا الفهم مدخلاً لنقاش طويل، حول ما يجري في لبنان و البلدان العربية، هل هي ثورات أم انتفاضات.
يقول لينين "وبالفعل، ما هي الثورة من وجهة النظر الماركسية؟" ويجيب قائلا : إنها هدم لبناء فوقي سياسي قديم ، أصبح مترهلا، واندفاع عنيف من جماهير الشعب نحو تغيير الأوضاع السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصادية تغييرًا أساسيًّا ، لذلك ، تعود ضرورة الثورات الاجتماعية الى فعل القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي، فأساس الثورات المعاصرة هو التناقضات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع ذاته، فالثورات لا تتم وفقا لتوصية او كبسة زر ، بل هي انفجار شعبي واسع بعد أن وصل الشعب إلى مرحلة لا يعد يحتمل فيها الأوضاع التي يعيشها.
لقد اتسمت الثورات الشعبية في الأقطار العربية بعفويتها. وهذا يدلل على مدى انسحاق الجماهير، وانسداد الأفق وعلى اندفاعها للدفاع عن وجودها. وإذا كان الطابع الاقتصادي المطلبي هو الغالب عليها، فلأن الجماهير الشعبية تفتقد قيادتها، وأداتها في النضال السياسي، وتفتقد للتنظيم السياسي الذي يبث الوعي السياسي فيها، ويدفعها لخوض ميادين النضال الثوري، عبر فهم مشاكلها الوطنية العامة.
إن الوطن العربي بحاجة للقوى السياسية القادرة على تنظيم صفوف الجماهير الشعبية والدفاع عن مصالحها ، وقيادة هذه الجماهير لخوض معمعان النضال السياسي القادر على إسقاط الأنظمة التي أصبحت عاجزة عن الدفاع عن مصالح الوطن والشعب ، وأصبحت غير مستعدة لمواجهة التحديات التي يواجهها الشعب وتعمل على سحقه وقمعه وإفقاره ونهبه وفرض الضرائب وتعميم الفساد والاستبداد..
إذن الثورة ضرورة، بعد أن وصلت أوضاع الشعب والوطن إلى حالة لم تعد تحتمل ، ولأن الظروف الواقعية تجعلها كذلك، فاحتلال كما هو في فلسطين ، والسيطرة ونهب الثروات والتدخل الاجنبي ، يجعل الثورة والنضال أمرا حتميا ووحيدا وضروريا ، كما أن تفاقم حالة الإفقار والفساد والامتيازات نتيجة السياسة التي تمارسها الأنظمة العربية في ظل سيادة نظام التبعية في الأقطار العربية ، تفرض حدوث الثورات الاجتماعية، ولهذا من الضروري فهم تطور الوضع والنشاط الجماهيري، وتلمس الآفاق التي يمكن أن يصل إليه.
وإذا كان الاحتلال وسياسة الافقار والنهب والفساد وتعمق التبعية ، تفرض الثورات الشعبية ، فلابد من ملاحظة أن لا أفق واضح لها في أيامها الأولى، فهي ثورات عفوية في بداياتها، وتعبّر عن شعور برفض الواقع في لحظة معينة وهذا ظرف طبيعي ، أمام نظم عملت على سحق الأحزاب والنقابات المعبرة عن مصالح الشعب والوطن والتي من مهمتها العمل على توعية الشعب وتنظيمه ، كما ان سياسة النظم التي عملت على تجهيل الشعب وتحويله إلى مجتمع استهلاكي بليد ، كلها أسباب تجعل من انفجار الشعوب العربية عفويا وأحيانا فوضويا دون تنظيم ووعي كامل .
إن سمات التي هذه الثورات، هي أنها تنفجر في لحظة محددة عفوياً، دون تنظيم ودون هدف جذري. ثم إنها تعتمد على اندفاع ووعي الجماهير، الذي يتأثر بالأفكار السائدة وسيطرت لسنوات طويلة، ما يؤكد القول إن الشعب يمتلك وعياً زائفاً لا يعبّر عن مطامحه الحقيقية، وبالتالي لا يسمح له تأسيس دور عملي جذري، يفضي إلى تحقيق أهدافه في التحرير والحرية والتطور والعدالة الاجتماعية.
وهنا تكون العوامل الثورية الجديدة هامة للغاية، لأنه من المفترض أن تسهم في تأسيس حالة الانتقال النوعي من الوعي الزائف إلى الوعي المؤثر، ومن العفوية إلى التنظيم. وهنا تبرز أهمية وجود التنظيم أو الحزب السياسي القائد والقادر على تحقيق هذه النقلة النوعية، الحزب القادر على تنظيم صفوف الشعب،وعلى تشكيل أوسع جبهة من أجل تعميق الحركة الجماهيرية، وتحويل الانتفاضات إلى انفجار شامل ينهي الاستغلال والنهب والفساد ، ويعيد بناء المجتمع من جديد بما يحقق مصالح الشعب.