ليس هناك فلسطيني عاقل يعتبر ان التسوية ممكنة ، و ان المفاوضات
و الاتفاقات و المشاريع التسووية يمكن ان تحل المشكلة الفلسطينية .
25 عاما من المفاوضات المضنية و العبثية و من التعاون الامني
و من تقديم التنازلات لم تحقق للشعب الفلسطيني الحد الادنى مما
تم الاتفاق عليه . لم تتحقق الدولة المستقلة على حدود الرابع من
حزيران ، و لم ينل الشعب الفلسطيني حريته ، و لم تحل مسألة
اللاجئين ، و لم يتوقف الاستيطان و ابتلاع الاراضي . بل بقي
الاحتلال يمارس عربدته و تنكيله بشعبنا و قتله للمدنيين و اعتقاله
للالاف من كافة الاعمار ، و تدنيسه للمقدسات و على رأسها المسجد
الاقصى المبارك و الحرم الابراهيمي الشريف . استفاد الاحتلال
الصهيوني من اوسلو على كافة المستويات ، حيث ظهر عالميا بمظهر
الساعي للسلام وان ما يحتاجه هو الامن ! فسارعت الكثير من الدول
التي لم تكن قد اعترفت بوجود الكيان لاقامة علاقات دبلوماسية معه .
و استفاد عربيا بأن اقامت معظم الدول العربية علاقات سرية
او علنية و مبادلات تجارية و تعاون في الكثير من المجالات،
و كان المبرر الاكبر بأن اصحاب القضية المركزية تفاوضوا و اتفقوا .
اما الكارثة الحقيقية هي في الوضع الفلسطيني نفسه ، الذي اوقف العمل
المسلح رسميا و نسق امنيا بلا اية فائدة و لو معنوية ! لم يطلق سراح
الاسرى او تتوقف الاجراءات العدوانية و اعمال التنكيل على الحواجز.
لم تتوقف اعتداءات المستوطنين و لا اعمال التدنيس ضد المقدسات.
لم تتوقف اعمال التهويد و نهب الاراضي ، لم تستقل السلطة حتى
في الجانب الاقتصادي عوضا عن الامني ، فماذا حققنا اذن ؟! هاهي
القدس التي مارس الاحتلال كل اساليب التضييق على اهلها قبل و بعد
اوسلو من اجل ابتلاعها و تهويدها ، تواجه الان اخطر الحلقات منذ احتلالها.
تواجه شرعنة الاحتلال ، من خلال الاعتراف الامريكي بالقدس شرقيها
و غربيها كعاصمة موحدة لكيان الاحتلال ، و ضرب القرارات الدوليه التي تعتبر القدس الشرقية منطقة محتلة بعرض الحائط . و لا استبعد
ان يتبع الخطوة الامريكية خطوات من قبل دول اخرى تقع تحت الهيمنة
و تحت تأثير الضغوط الاقتصادية و السياسية لامريكا و كيان الاحتلال.
علينا كفلسطينيين و عرب و مسلمين ان نتوقع ذلك ، و ان نعد انفسنا
لاعلان يهودية القدس بل و يهودية فلسطين ، فماذا نحن فاعلون ؟!
لقد جرب العرب و معهم السلطة الفلسطينيه المبادرات من اجل "التسوية"
و لم تقابل كل تلك المبادرات الا بالرفض و التعنت . لم تكترث
الحكومات الصهيونية بتلك المبادرات ، و لن تلتفت مستقبلا لاي مبادرة
لا تتطابق مع المشروع الصهيوني الذي يريد ابتلاع فلسطين ، و السيطرة
على المنطقة العربية اقتصاديا و سياسيا و حتى امنيا . في الوقت الذي
يواصل به كيان الاحتلال استكمال مشروعه و ضمان عسكرة مجتمعه
و تفوقه العسكري ، تواصل الامة تراجعها على كافة المستويات . تموت
النخوة و يندحر الوازع الديني و القومي بفضل الحكام المرتبطين كليا
بهذا المشروع ، و هذا ما سيجعل الامة في اوضاع اكثر صعوبة نتيجة
ما تخططه الصهيونية و تنفذه ادواتها في المنطقة العربية و في العالم .
ان الحل الوحيد لايقاف المشروع الصهيوني في فلسطين و في الوطن
العربي هو بالمقاومة و حشد الطاقات و توحيد الصفوف و اقامة جبهة
عربية من المحيط الى الخليج حتى تكون رافدا للمقاومة في فلسطين ،
و في مواجهة الادوات الصهيونية التي تتحكم في البلدان العربية .
ماهر الصديق
إعلان منتصف المقال