" وقفوا كما يقف العبيد امام سيدهم . استمعوا بإنصات لمواعظ رجل اكد
محللون نفسيون بانه مختل عقليا . قدموا له الهدايا و عصا الطاعة ... هاجم
امامهم اشرف ظاهرة في الامة ، و هي التي تدافع عن كرامة الامة و شرفها .
ظهر القبول و الرضى على وجوههم ، لم يجبه منهم احد! كانوا مستسلمين
تماما امام هذا الارعن. لقد ذكرونا بملوك الطوائف في الاندلس عندما
كانوا يقفون اذلاء خانعين امام الملك القشتالي فرناندو ، انهم عار هذه الامة "
**************
ليس من السهل على اي محب لقومه ان يتقبل هذه المهانة التي يمر بها
الانسان العربي ، و هذه الهامشية التي تصنف بها امتنا مقارنة مع الامم الاخرى .
واقع دموي ، مقدسات مدنسة و مستباحة ، شعوب تعيش تحت خط الفقر ،
هجرة للادمغة و للعامة ايضا بحثا عن حياة افضل . ركوب المخاطر للهروب
من جحيم الطغيان و الانفلات الامني و قساوة العيش ! نزيف بشري باحث
عن الامن و الحرية و هربا من سياط الجلادين و عيون العسس و جور الحكام .
امة يحكمها مجموعة من الرعاع المتخلفين ، قساة القلوب . نزعت منهم
كل مزايا العزة و الكرامة العربية ، فاستحالوا ادوات بايدي الاعداء . سيوف
على رقاب المواطنين . هكذا تحولنا منذ سقوط الدولة العثمانية بعيد الحرب
العالمية الاولى ، و بدء عصر الانتدابات الى شراذم متفرقة ، يقفل كل افاق حدود
دويلته ويعبث بسياستها و بثرواتها و بدماء شعبها كيفما يشاء . هو الحاكم
المطلق ، يملك كل زمام الامور ، الدولة هو ، و هو الدولة . هو القائد للجيش
و المتحكم بالقضاء و بالمال العام و بالسياسة و الطبابة و حتى برغيف الخبز !
يأمر بالاعدام و السجن المؤبد ، يحرر الجريدة ، يلقن المذيع ، يحدد نوعية
الاكل و الشرب . ما يصدر عنه نافذ لا نقاش فيه . هو البرلمان و مجلس
الوزراء و الاعيان . هو من يحدد مناهج الدراسة ، و من ينجح او يرسب!
و في نهاية الامر الذي يتحمل نتائج هذا الارتجال و الجهل و التخلف و التراجع
في كل المجالات هو الشعب الفقير المغلوب على امره . كل شئ يمكن تحمله
في سبيل بناء الوطن . يمكن للمواطن البسيط ان يصبر و يقدم الغالي و النفيس
من اجل تطور البلد . و يقدم كل التضحيات دفاعا عن الوطن ، و في مواجهة
الاعداء . لكن المواطن المخلص الصابر يكتشف ان الحاكم متآمر على الوطن،
جاهز للتنازل عن استقلال البلاد للعدو القريب و البعيد من اجل بقاء كرسيه !
مستعد لبيع الاراضي و تسليم الاقتصاد للبنوك و الشركات الدوليه . لا يعنيه
الاقتصاد الوطني او التنمية ، لا يهمه ان يضع اعباء ثقيلة على كاهل الشعب ،
المهم بقاء السلطة له و من بعده للعائلة و العشيرة و الطائفة و الحزب .
ماذا فقدت الامة بانحطاط الحكام ؟ السؤال الاصح : ماذا بقي لدى الامة ؟
دماء و معتقلات و تعذيب و ظلم و تدمير للبلاد و تهجير مبرمج و فقر و امراض
و امتهان لانسانية الانسان و معاملة المواطن معاملة الحيوان بل اقل .
ثم الخنوع للغربي و الصهيوني و محاربة كل باحث عن الحرية و الكرامة .
و بعد ذلك يأتيك من يجهل مصلحته او باع حريته و كرامته او وجدانه و انسانيته
و يتساءل : لماذا قام العرب بانتفاضاتهم ، ماذا حققنا غير الدماء و التدمير !؟
ما فائدة الثورات على الحكام ، من المستفيد من التمرد و العصيان ؟ انه نوع
من استمراء المذلة و القبول بالظلم و بالحياة الرخيصة . اناس رضوا بالدنية
و اصبحت عندهم مناعة من سوط رجل المخابرات . آذانهم تترنم على الالفاظ
النابية و على التهكم من قبل الجلادين . و مع ذلك ينتظرون فرصة للهروب
من جحيم بلادهم و الاغتراب في اوطان لا تتحدث لغتهم و لا ينتمون لثقافاتهم
و لا يمارسون شعائرهم الدينية ويختلفون عن عاداتهم و تقاليدهم و حتى طعامهم
و شرابهم او طريقة حياتهم . يختارون الموت في البحار ، او الذل في
مخيمات اللجوء ، و لا يدرون من السبب في معاناتهم ، او انهم لا يريدون
معرفة السبب ! نوع من الانفصام الشديد عند من ينكر على غيره الغضب !
نعم لم تنجح الثورات العربية لسببين : الاول ان الشعوب العربية غير مهيأة
لنقلة نوعية تغير من خارطة الواقع الرسمي القائم على الحكم المطلق نحو
الاختيار الحر القائم على البرنامج لا على الشخص . و الثاني ان القوى الطليعية
ليست مؤهلة لتغيير جذري كبير ، و لم تعد العدة لمواجهة مكائد الاعداء
الداخليين و الخارجيين . و لهذا تم اختراقها من قبل مجموعات اجرامية
خربت على الثورات، و دمرت كل الانجازات ، و ضيعت كل التضحيات .
ان كل ما جرى و يجرى يعتبر فرصة للاستفادة من التجربة . هذا هو حال
الثورات في كل العالم ، اخفاق مرة و نجاح في مرة اخرى . المهم ان تُقرأ
التجارب جيدا ، و المهم ان يعرف الانسان البسيط ان للحرية ثمن . و ان زوال
الفساد و المفسدين ليس سهلا ، بل ربما يكلف غاليا .

