قصَّةُ الماءِ استبدَّ بِقاصديهِ،فأقامَ لهم مَعموديَّة الدم.
كان البئرُ يتنفسُ دخانًا، يُغوي عطشًا لا يُجيدُ الإنتظار.
قصَّة النسيانِ الذي هزمَتهُ المخيَّلةُ بعد امتلائِها
والذين انتظرنا مجيئَهم
تلاشتْ صورُهم القديمة...
حتى بقايا الذكرياتِ تلاشتْ
رغم أنَّ العطشَ ما غادرَنا يومًا.
دروبُ موتِهم لم تزلْ هناك
دلاءُ الماءِ المثقوبةِ
وظلالُ نسوةٍ مسكوناتٍ بالرعبِ رحلنَ
ولم تزل قسماتُهنَّ مزروعة على هياكلِ الجدران.
ماتتِ حكاياتُهنَّ...
فالشهودُ على معموديَّةِ الدم في تلِّ الزعتر:
صمَتوا عميقًا لأن الفؤوسَفي صَبرا وشاتيلا لم تبقِ لهم مُخيَّلة.
كانتِ الطريقُ هناك
فراغٌ يُحاكي هالة البحرِ
وقصورًا تضجُّ بلكناتِ الحضارةِ الأخرى
كأن الساكنين مخيَّمَ التنكِ بحاجةٍ لمن يُذكّرهُهم بأنَّهم غرباء.
كان الرصاصُ والنزفُ هناك
والرحيلُ المؤَجِّلُ صرختَه عن فداحةِ الخُسران.
حينها كان النهارُ أشبهُ بفضيحةٍ قاتلةٍ
والمُصابونَ بنوبةِ جرحٍ
يؤجّلونَ رحلاتِهم غلى القبورِ...
لا حربًا كانتْ تدورُ
لكنَّها معموديَّة الماءِ مقابلَ الدم...
لا زعترَ في تلِّ الزعتر
القنَّاصُ أصابَ الطرابينَ كلِّها
وتركَ مصيرَ الجذورِ للعطش.
للزعتر هناكَ معوديَّة أخرى مع الماء
والناس في المخيَّمِ تعلّموا أنَّ من الخطأ:
تحالفُ موتينِ.
كأنَّ الأمكنةَ هناك... ارتكبَتْ آثامًا لا تُمحى
بحقِّ منْ ومنْ عاقبَها؟
هل نامتِ الخيانةُ في أسرَّةِ التلالِ
وتواطأ العَسسُ مع الظلام؟
هل ارتوى الماءُ من صيدِ طرائدعِ
أم تعبتِ الدلاءُ من ثقوبِها؟
رائحةُ الموتِ في تلِّ الزعتر
لم تزل تسكنُ هناك.
أينَ القبورُ... وأينَ الذين ماتوا؟
كأنَّ للنذورِ سطوة على الهويَّاتِ
تزدادُ نَهَمًا كلما اصطادتْ روحًا منها
وكلما أزاحَتْ دارًا...
اتَّسَعَ المكانُ...
كي ينعَمَ الرصاصُ بموسمِ ثقوبٍ جديد.
الماءُ في تلِّ الزعترِ غاوٍ
والعطشُ...
أعندُ من رصاصةٍ في الجسد.
محمد علي سرور / لبنان

