ان المبادئ الثورية التي شكلت على الدوام نموذجا للشعب الفلسطيني بجب ان تبقى هي الاساس ، لأن هذا الشعب العظيم الذي قدم مئات الالاف من الشهداء ، وما زال في مرحلة التحرر الوطني ، عليه ان يتمسك بأهدافه الوطنية حتى يتحول كل فلسطيني ومناضل حر الى طاقة مبدعة, تساهم إيجابيا في عملية النضال الوطني والتمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وخاصة حق العودة الى دياره وممتلكاته التي شرد منها اثر نكبة واغتصاب فلسطين عام 1948 .
إنها مبادئ تستشرف المستقبل, وتتناسب مع جميع الظروف والبيئات الاجتماعية على حد سواء،انها قابله للتطوير، وتستوعب من تراث المجتمع الفلسطيني وتراث المجتمعات العربية كل ما هو تقدمي، وتشجع العقول المتنورة، والالتفات الى طاقاتها وتطويرها وتحفيز امكانياتها الكامنة وتثويرها من خلال زجها في عملية التحرير والتحرر والتقدم والعدالة الاجتماعية .
ومن هنا عندما نتحدث عن ذلك نرى ان هناك مخاطر بدأت تضرب المجتمع الفلسطيني ان كان لجهة افة المخدرات ، او لجهة اطلاق النار العشوائي والفردي او ان كان لجهة المشاكل الاجتماعية او اشياء اخرى يتعرض لها هذا المجتمع ، صحيح ان المسؤولية الاولى تقع على عاتق كافة القوى والفصائل الفلسطينية وايضا على مؤسسات المجتمع المدني من اهلية واجتماعية وثقافية ، اضافة الى مسؤولية الاهل" اي المجتمع " وعلماء الدين ، لأن الكل مسؤول عن حماية واستقرار المخيمات، ومعالجة الظواهر الخاطئة من خلال دعم دور اللجان الشعبية وقوات الامن الوطني الفلسطيني، حتى تأخذ بحزم دورها بمحاسبة كل المخلين بالامن والاداب، او التطرف ،واحترام الدولة المضيفة والحفاظ على الامن والاستقرار والسلم الاهلي ، وتعزيز العلاقات بين الشعبين الشقيقين اللبناني الفلسطيني ، هذه العلاقة هي علاقة تلاحم امتزج فيها الدم الفلسطيني واللبناني وقدم خلالها قوافل الشهداء والتضحيات من اجل القضية الفلسطينية ،وهنا نستحضر مواقف سماحة الإمام موسى الصدر الذي حمل فلسطين في قلبه، لأنه كان يؤمن بأن شرعية أية جهة وإسلاميتها وعروبتها ووطنيتها تتحقق بمدى حضور فلسطين فيها، وان هذه العلاقات اقترنت منذ امد طويل بعلاقة الاهل والقربى والنسب والمصاهرة التي تشكل حالة من وحدة الدم والمصير.
ان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني على ارض وطنه في الضفة والقدس وغزة وفلسطين التاريخية عام 48 ، من تعاظم لجرائم العدو الصهيوني وحشيتها وجبروتها، يستدعي منا العمل على استنهاض الطاقات وليس هدرها ، ويستدعي منا وحدة المجتمع ، كما يتطلب وحدة الموقف الفلسطيني ، واعادة بناء وتطوير وتعزيز اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية حتى تأخذ دورها بشكل كامل.
وفي ظل كل ذلك لم نتفاجأ بتصريحات وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، التي عاد ليُؤكّد فيها عنصريّته ضد الفلسطينيين، فيما يتعلّق بمنحهم الزوجة اللبنانية المتأهلة من فلسطيني حق الجنسية اللبنانية، لزوجها واولادها كما في كل دول العالم ، ولكن معالي الوزير غاب عن ذهنه
بأن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا يطالبون بالجنسية بل يُريدون حقوقهم المدنيّة والاجتماعية: وهم متمسكون اكثر من اي وقت مضى بحقّهم في العودة الى وطنهم فلسطين ، الى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948، وهو اذ يعلم او لا يعلم ، لا يتخيل الكثير حجم الدور الذي لعبه ومازال الفلسطينيين يلعبوه حتى اليوم في اقتصاد لبنان وإن كان ذلك عليه تعتيم شديد فالفلسطيني في لبنان إن كان مخطئا فهي فضيحة وعليها شهود وإن كان منجزا فتكتم على الأمر ولا تعلنه، وهذا ما كتبه الاستاذ طلال سلمان ، وخاصة عندما تطرق الى أن خريجي الجامعة الأمريكية في لبنان من الفلسطينيين إما يساوون أو يزيدون عن اللبنانيين، وعندما تدخل الجامعة، هذه قاعة طلال أبو غزالة وهذه قاعة حسيب صباغ وهذه قاعة كمال الشاعر، جميعهم فلسطينيون من ساهم في بناء وتطوير الجامعة فلسطينيون بتبرعات خاصة منهم، اضافة الى بعض من الأسماء التي تنحدر من أصل فلسطيني في لبنان ولعبت دورا كبيرا فيه، وأكرر هناك تعتيم كبير على ذلك وإن ظهر هؤلاء فيظهرون كلبنانيين بسبب تجنيسهم وليسوا كفلسطينيين وطبعا أقصد أغلبهم وليسوا كلهم (لم يبدأ الازدهار اللبناني، فعلا، إلا بعد نكبة فلسطين في سنة 1948)، وهذا الأمر أطلق فورة اقتصادية شديدة الإيجابية، فاليد العاملة الفلسطينية المدربة ساهمت في العمران وفي تطوير السهول الساحلية اللبنانية، والرأسمال النقدي أشاع حالة من الانتعاش الاستثماري الواسع، وفي هذا السياق لمع في لبنان الكثير من الفلسطينيين الذين كان لهم شأن كبير في الازدهار اللبناني ، كما كان لليد العاملة الفلسطينية حضور في معامل جبر وغندور وعسيلي واليمني، و من بين أساتذة الجامعات الفلسطينيون نقولا زيادة وبرهان الدجاني ونبيه أمين فارس وصلاح الدباغ ونبيل الدجاني ويوسف الشبل وجين مقدسي وريتا عوض وفكتور سحاب ويسرى جوهرية عرنيطة ورجا طنوس وسمير صيقلي ومحمود زايد وعصام مياسي وعصام عاشور وطريف الخالدي، كذلك برز من بين الفنانين التشكيليين جوليانا سيرافيم وبول غيراغوسيان وناجي العلي وإبراهيم غنام وتوفيق عبد العال ومليحة أفنان وإسماعيل شموط ومحمد الشاعر وكميل حوا، وفي الصحافة ظهرت كوكبة من الفلسطينيين في لبنان ، لهذا لا يحق لأحد المزايدة على الشعب الفلسطيني الذي يقاسي وحده مرارة التهجير والاقتلاع من أرضه، وهنا سؤال برسم الجميع لماذا هذا الاستثناء في منح الجنسية اللبنانية لأبناء اللبنانيات المتزوجات من أجانب وخاصة السوريات والفلسطينيات ، لماذا هذا التمييزوانتهاك حقوق الإنسان، رغم ان الكل يعلم بأن الوجود الفلسطيني على أرض لبنان هو وجود سياسي، ناجم عن الصراع السياسي العربي الصهيوني، ولا خيار امام الشعب الفلسطيني الا باستعادة حقوقه الوطنية المشروعة وخاصة حق العودة الى دياره ومتتلكاته التي شرد وهجر منها عام 48 .
ان معالجة الامور الاجتماعية والانسانية تتطلب حوار بناء مع الحكومة اللبنانية لايجاد الحلول لهذه المشكلات ان كانت على مستوى الاقامة والسكن والصحة والبيئة والتعليم والعمل والبطالة، مع إلغاء إجازة العمل المفروضة على أن يستفيد العمال والمستخدمون الفلسطينيون من تقديمات الضمان الصحي ، ونحن هنا نثمن مواقف دولة الرئيس نبيه بري الذي يحتضن قضية فلسطين في اعلى المنابر وخاصة عندما يتحدث بكل وضوح عن معاناة الشعب الفلسطيني ، وكذلك مواقف سماحة سيد المقاومة السيد حسن نصرالله الذي يعطي القضية الفلسطينية الاولوية في مشروع المقاومة، ولن ننسى مواقف كافة الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية والمقاومة المساندة للشعب الفلسطيني وحقوقه .
امام كل ذلك يجب على الجميع تعزيز وتعميق العلاقات الديمقراطية و التفاعل معها بشكل سليم للخلاص من كافة المشاكل التي نعاني منها, وخاصة من خلال التفاعل بين اللجان الشعبية مع المجتمع لتعزيز مفاهيم الحياة الانسانية التي تدعو الى المساواة التامة بين الجميع ، من أجل تحقيق سياسة صحيحة تحقق الرفاه الاجتماعي والامن، ومحاسبة اولئك الذين يحاولون الاساءة للمجتمع .
وفي ظل هذه الظروف نؤكد على وحدة المجتمع الفلسطيني ، الذي يشكل يقينا، ومعياراً لرفض كل الاصوات التي تحاول النيل منه، اضافة الى الاقلام الموتورة التي تكتب على صفخات التواصل الاجتماعي كلمات وعبارات وتجريحات تحاول تشويه العلاقات بين المخيم والجوار ، فالشعب الفلسطيني الذي حافظ على هويته النضالية متمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية وامكاناته الفكرية، يرفض كل المتربصين الذين يحاولون تهميش تاريخه النضالي، فصيانة حقوق الشعب الفلسطيني ستبقى عنوان اساسي في مسيرة النضال الوطني، وهذا يتطلب تحصين المجتمع في مواجهة كلّ أشكال التخلف والجهل بكلّ أشكاله وتسمياته.
ختاما : أن الشعب الفلسطيني امتشق سلاح المعرفة والعلم، سلاح الحق في مواجهة العدو،حيث ان هذا الشعب لم يتطلع الى الطائفية والمذهبية والإثنية والفساد وثقافة الخراب والأمراض الفتاكة ، لأن كل الشرفاء واحرار العالم انتمت لثورته المعاصرة ، فهذا الشعب العظيم مؤمن بقيم الحق والخير والجمال وبحقه بالعيش مثل بقية شعوب العالم .
كاتب سياسي