recent
أخبار ساخنة

أطفال المخيمات الفلسطينية في الجنوب يودعون مدارسهم: نعمل لإعالة أهلنا!


وكالة القدس للأنباء – خاص

عمالة الأطفال الفلسطينيين، ظاهرة خطيرة تكبر يوماً بعد يوم بعد أن أجبرت الظروف المعيشية القاسية، العشرات من هؤلاء الأطفال ترك مدارسهم، والالتحاق بورش العمل، من أجل المساهمة في مساعدة عائلاتهم المحتاجة، ما أدى إلى إلحاق الأذى بهم، وتعرضهم لمخاطر جمة، بخاصة وأن الأعمال التي يمارسونها تتجاوز قدرة أعمارعم على العمل بها، وتحديداً في مجالات مهن: الميكانيك والنجارة والحدادة والبناء والزراعة وغيرها.

“وكالة القدس للأنباء” التي سبق وأن فتحت هذا الملف في مخيمات بيروت والشمال، تفتحه اليوم في مخيمات الجنوب، حيث التقت عدداً من الحالات، وقد رووا بعفويتهم المعاناة التي يعيشونها في ظل العمل، بعد أن ودعوا طفولتهم مبكرة.

كانت تحب اللهو كثيراً وخصوصا بألعابها ذات اللون الزهري، فعالمها الوردي الصغير تملأه الأحلام البريئة، كل ما تريده القفز واللعب، فتارة تلعب “الغميضة” وتارة “بيت بيوت” لتمسك بيديها الناعمتين لعبتها المفضلة على أنها ابنتها لتقدم لها العناية، لكن الحياة بقساوتها سلبتها طفولتها دون أي رحمة.

مسؤولية مبكرة على البراعم الصغيرة

هديل يوسف ابنة “تجمع المعشوق” أجبرتها ظروف الحياة الصعبة، أن تعمل في سن مبكر ليصبح اللون الزهري أسود، أما الطفولة فما عاد لها مكان. فاليدان الناعمتان بات عليهما مسؤولية ترتيب الأغراض في المحل، كما على القدمين الوقوف ساعات وساعات، وأحلامها لم يبق لها وجود.

تروي اليوسف قصتها لـ”وكالة القدس للأنباء”: “كان عندي أحلام كثيرة كلها راحت، كان عندي هوايات بس بطل في. من شي 3 سنين بشتغل، عمري 15 سنة، يعني بلشت شغل وأنا عمري 12 سنة، اضطريت أشتغل وأترك المدرسة حتى أساعد أهلي. كنت مفكرة الموضوع سهل، بس طلعت المسؤولية كبيرة. ببلش دوامي من الساعة 7 صباحاً حتى الساعة 6 مساءً، يعني ما فيني أعمل شي غير الشغل، ومن الضغط والتعب بعصّب، لأنه بطل فيني أعمل أي شي زي البنات، بطل عندي وقت. ظل شي واحد عندي من الأحلام، حلم واحد بس بحب أتعلم التصوير وأحمل كاميرا “.

توقفت قليلاً لتفكر، متخيلة كل ما تمر به من ظروف، راسمة ابتسامة صفراء مثقلة بالألم لتتابع: “بس بطّل يمشي الحال، عندي يوم واحد عطلة يوم الإثنين وباقي الأيام بخلص شغل على الساعة 6 ما فيني أتعلم شي”.

ظننت للحظة أن مثل هذه الحالات قليلة، لكن عندما التقيت منير حسين الصالح من سكان مخيم الرشيدية، الذي تحدث بصوت متعب ومجهد، أدركت أن هناك عشرات الأطفال يكابدون مثلها. لقد دخلوا ميدان العمل بدل أن يكونوا على مقعد الدراسة كبقية الأطفال، قال الصالح: “تركت المدرسة مبكراً وأنا بالصف الرابع ابتدائي، وتعلمت الصحية من واحد وبشتغل معو، بيعطيني 50 ألف بالأسبوع، بس إذا وقعت وبدي أعطل ما بيعطيني تعويض، بشتغل لأساعد أهلي لأن أبوي مريض وتعبان كثير معو سرطان، والدواء غالي، وكل فترة لازم يعمل صور، وأيام بيتعب بالشغل فبعطل كثير، من شان هيك نزلت اشتغل بس برمضان عطلت وخايف ما يرجعني عشغل”.

وبحزنٍ كبير أضاف: “والله تعبت كثير ما قدرت أشتغل أنا وصائم”.

لم تشفع لهم أعمارهم الصغيرة ولا حتى نعومة أظافرهم، فودعوا أزقة المخيم الضيقة التي طالما شهدت شقاوتهم، ليدخلوا معترك العمل. هكذا “تحالفت” الظروف الاقتصادية الصعبة على العديد من الأطفال، لتلقي بهم ميادين العمل الذي يعرضهم لمخاطر كثيرة، منها ما هو نفسي ومنها ما هو جسدي.

العمل لمواجهة الظروف الصعبة وها هو الطفل رياض محمد رميض، ابن مخيم برج الشمالي البالغ من العمر 16 سنة، يدخل عالم الكبار أيضاً رغماً عنه، ويقول: “طلعت من المدرسة من 3 سنين، وأنا بالصف السابع بسبب الوضع المعيشي الصعب، وأنا بدي أساعد أهلي”.

ابتسم وشخص بناظره للسماء، ودعا: “يا ريت ارجع مرة ثانية، يا ريت ارجع على المدرسة من جديد، أيام المدرسة كثير حلوة، يا ريت أرجع مع رفقاتي بس الوضع المادي ما بيسمح”.

وللطفل محمد المصري، ابن مخيم برج الشمالي، البالغ من العمر 15 سنة قصة أخرى: “تركت المدرسة هذه السنة بنصف العام الدراسي، فبلشت أتعلم الألمينيوم لأني بحب ميدان العمل كثير، وما بدي أرجع مرة ثانية”.

تشابهت إجابة المصري مع إجابة الطفل حسن لحسين، الذي امتاز بمشاغبته الممزوجة بشاقوته وحبه للعب وبجسده الصغير النحيل. يبلغ حسن من العمر 12 سنة، الذي حرمت الأزقة من صوته المرتفع بعد أن بدأ العمل، يروي لحسين: “بطلت من المدرسة بنص هاي السنة، وأنا بالصف الخامس رسبت مرتين، وعم اشتغل بالنجارة. كان بابا يصيح علي كل يوم ويحكي معي عشان أدرس وأنا أرد عليه كل مرة بنفس الجواب بكرا بدرس أو بعدين. أما أمي حاولت كثير تحطني عند معلمات بس إذا تعلم شي مهنة بتنفعوا بكرا بس يكبر”.

وقال محمد محمد، البالغ من العمر 15 سنة، الذي أحب التعليم المهني بشغف كبير: “تركت المدرسة هاي السنة وأنا بالصف السابع، كان لازم أكون بالصف التاسع، بحب التعليم المهني، وكان نفسي أفوت على كلية سبلين. قدمت طلب بس ما قبلوني، فبلشت شغل بهالورشة لأتعلم المهنة منيح واشتغل فيها بالمستقبل، عشان ساعد أهلي كمان.”

إذاً، هل يلقى صوت هؤلاء الأطفال وغيرهم صدى عند المعنيين، لإعادتهم إلى المربع الأول حيث يجب أن يكونوا ، أم أن قسوة الحياة ستحرمهم من استكمال دراستهم ومتابعتهم الحياة الطبيعية؟ أقوال وتمنيات الأطفال برسم الاستجابة لندائهم.








google-playkhamsatmostaqltradent