recent
أخبار الساخنة

حطين يا حطين بقلم : ماهر الصديق

الصفحة الرئيسية


فلسطين ارض الرسالات ، مهد الحضارات ، و هي ارض الانتصارات الحاسمه 

في التاريخ العربي و الاسلامي . بقيت فلسطين على سلم اولويات مهام 

الدوله الاسلاميه ، منذ الفترة النبويه حتى النهاية الفعليه للدولة العثمانيه عام 1909 . 

لقد اعادها المسلمون للحضاره العربيه بعد ان هزموا الدولة البيزنطيه ، 

و تسلم امير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه مفاتيحها من البطريك صفرونيوس .

و بهذا استكمل العرب وجودهم التاريخي القديم في فلسطين ، هذا الوجود الضارب

في التاريخ ، الذي بدأ مع الهجرات العربيه الكنعانيه في اواسط القرن الثالث قبل الميلاد .

بقيت فلسطين خلال الحكم الاموي و العباسي مرورا بالدولة الزنكيه و الايوبيه

و المملوكيه و انتهاء بالدوله العثمانيه في مقدمة اهتمام الحكام لمكانتها و قدسيتها .

و لم تفقد فلسطين هذه القدسية و المكانة الا بعد انشاء الدويلات و سيطرة

العائلات و الجماعات و الاحزاب المرتبطه بالاستعمار الجديد المتمثل ببريطانيا 

و فرنسا و من ثم بامريكا . كانت فلسطين محور حركة جهاد الدوله الايوبيه منذ صلاح

الدين حتى نجم الدين ايوب 1172-1250م . و تمكنت هذه

الدولة العظيمه من دحر الصليبيين في معركه تاريخيه فاصله بتاريخ 4 تموز 1187

و قد جرت المعركه في قرية حطين التي تبعد حوالي 9 كلم الى الغرب من بحيرة طبريا .

بهذا الانتصار الحاسم الذي قاده صلاح الدين الايوبي فتحت الطرق لاستعادة القدس

التي حاصرها صلاح الدين و جرت مناوشات الى ان استسلمت المدينة في 2 تشرين

الاول عام 1187 . لكن هذا القائد المسلم الكبير لم يعامل الصليبيين بنفس الطريقة 

الوحشية التي مارسوها عند احتلالهم لمدينة القدس عام 1099، عندما قتلوا 70 الفا 

من المسلمين كانوا قد لجؤوا لباحات المسجد الاقصى المبارك ، فتعرضوا لمجزره 

مروعه قل نظيرها في التاريخ البشري . لقد عفى عنهم بفدية رمزيه ، 

و غادروا جميعا الى مدينة صور . هناك قاموا بتنظيم صفوفهم ، و اعادوا احتلال

مدينة عكا و بعض المناطق في فلسطين و لبنان . و لم ينته خطرهم الا 

بأيدي الدولة المملوكيه العظيمة بقيادة المنصور سيف الدين قلاوون و اولاده .

لقد اعتبر بعض المؤرخون ان من اعظم اخطاء البطل الكردي المسلم كان

في عفوه و سماحته ، و هو ما كلف الامة ضحايا كثيره و سنوات طوال لتخليص

المدن الشاميه الساحليه نهائيا من الوجود الصليبي . 

معركة حطين الخالده تذكرنا بطبيعة المسلم العربي الذي لا يساوم على حقه ، و لا 

يتخلى عن وطنه ، و لا يغامر في افعاله . انه يهيئ الاسباب التي تكفل له تحقيق النصر .

اسباب النصر ليست صعبه و لا تستعصي على من يضع أهدافا و يعمل لتحقيقها .

اهم تلك الاسباب هي العوامل النفسيه . ان لا تثنيه الهواجس و المتغيرات 

عن التمسك بقضيته ما دام مقتنع بعدالتها . و ان لا يهزم في داخله، و لا ينكسر

مع كل هبة ريح ، و لا يستسلم في حالات الضعف . لان الضعف غير باق 

الى ما لا نهايه . يجب على صاحب الحق ان يفهم حقه ، و ان لا يتنازل

عنه نتيجة للظروف الصعبه ، و للاوضاع الاقتصاديه و السياسيه ، و لانحطاط

الحكام في مرحله من المراحل . انها حقب زمنيه تتغير و يتغير معها الواقع السياسي

و تتبدل الحكومات و الانظمه ، و تتطور العقول و الثقافات . عامل الزمن ،

الذي يتغافل عن اهميته كثير من القاده ، فيعملون على " سلق " المراحل 

و القفز عن العوامل الموضوعيه و عن الامكانات الذاتيه القائمه . فيوقعون

شعوبهم بوقائع قد تكلف الكثير من الدماء و الثروات . فلو

تم قياس تحقيق الرغبات بحرق المراحل لصار من الصعب تحقيق الغايات . لكن

مع عامل الزمن على اهميته يجب ان تواكبه حركة تنظيميه واضحة الاهداف

تؤسس لعملية تغيير في الوسط الشعبي بعد مراحل من التعبئه و التثقيف ، و من

ثم يؤسس للتغيير في الادارات الحكوميه المهترئه و العاجزه . كل هذا يؤدي

لنقله نحو التعبئة النضاليه و عملية التطوير العسكري الكفيل بتحقيق الانتصار .

ان وجود الاراده المعنويه مع ما امكن من القدرات العسكريه تمكن من تحقيق

الانتصار حتى لو كان هناك خلل في ميزان القدرات العسكريه لمصلحة العدو .

هناك شواهد كثيره منذ صدر الاسلام و الانتصار الحاسم في معركة بدر بالرغم

من فقدان الميزان في العدد و العده . و ما تلاها من معارك و غزوات لم يكن

المسلمون يتفوقون على اعدائهم لا بالعدد و لا بالعده ، لكنهم كانوا يتفوقون

باسباب النصر التي تقوم على العقيده و الاستعداد المعنوي و روح التضحية

و القياده الحقيقيه . قيادة بطبيعة الحال تختلف عن طبيعة القيادات المنهزمه

في ايامنا هذه. لا يمكن ان ينتصر جيش قياداته منهزمه معنويا 

و تفتقر للارادة و العزيمة و الاستعداد للتضحية . القيادة الجبانه 

لا تصنع انتصار ، و القيادة التي لا تؤمن بعدالة قضيتها لا تمتلك 

واحده من اهم عوامل تحقيق النصر . فكيف بمن يرفضون اي شكل

من اشكال النضال او الاعداد النفسي و المعنوي و العسكري له .

ان يكون لك قضية عادله يعني ان لا تساوم على اي شئ منها مهما قل او كثر ،

ان مجرد المساومه يعني الاستعداد للتخلي الكلي . و مجرد القبول بالتفاوض

في حال فقدان اوراق القوة يعني انك تخوض مغامره في دماء الناس و تعرض

القضية العادله للشبهة و الضياع . عندما فكر عماد الدين زنكي بالنهوض 

بالامة كانت دولته لا تتجاوز حدود الجزيره الفراتيه . و عندما فكر نور الدين 

محمود بتحرير الاقصى و امر ببناء المنبر " منبر صلاح الدين" كانت دولته

بين الموصل و حلب ، لكنه كان يمتلك الاراده ، و يعد العده ، و يعبئ المجاهدين

على القتال في سبيل الله و من اجل تحرير البلاد العربيه من الصليبيين و اعوانهم

الذين كانوا يحكمون من الشام الى مصر . و كان عليه ان يطهر المنطقه من العملاء

قبل ان يتحرك لقتال الصليبييين في فلسطين . لهذا لم يكن امامه خيار سوى التخلص

من الدولة العبيديه " الفاطميه " المتعاونه مع الصليبيين ، و انهاء حكمها نهائيا

و التفرغ بعد هذا لتحرير القدس و بقية البلاد من الاعداء . 




google-playkhamsatmostaqltradent