
درجت العادة حتى في اكثر الدول تخلفا ان تسقط حكومات ، و تقال وزارات، و تنتفض
شعوب بعد حدوث الهزائم .بل ان حكومات و احزاب تختفي من الوجود بسبب
اخفاقات اقتصاديه او سياسيه او فضائح اخلاقيه او ماليه في البلدان الاكثر تطبيقا
للديمقراطيه ! الا عندنا فإن النظام السياسي يُستنسخ ،و يُعاد انتاجه بوجوه
و اسماء جديده !و يبقى المزاج الشعبي كما هو لا يتبدل خصوصا بعد خطبة
"عصماء" يشرح فيها الزعيم اسباب الخلل ، و يقلل من عظم المصاب . يعدد
القوى المعاديه المشترِكه ، و المؤامرات التي حيكت و سببت تلك الاخفاقات و التراجعات .
هكذا بسهوله تتسامح شعوبنا و تتفهم ما حصل، بل و تنزل للشوارع هاتفه بحياة القائد
ووطنيته و براعته بالحكم . من اجل كل هذا تبقى الامة على حال من العجز و الخمول
وواقع متأزم و ازدياد في التبعية و استمرار في التراجع الاقتصادي و السياسي
و انعدام للديمقراطيه و فقدان للحريات و غياب للقانون و العدالة . الامم لا تتقدم خطوه الى
الامام اذا فقدت المراجعات و الوقفات النقديه امام اي نوع من المشكلات العامه، اسبابها
و سبل مواجهتها و محاسبة المسؤول عنها .اذا لم تقم بتنفيذ عمليات تغيير
جذريه ، تأتي بكفاءات جديده تؤسس لواقع مغاير . و تعد العدة لمواجهة التداعيات
التي خلفتها الاخفاقات ، مستفيده من التجربه بكافة تفاصيلها الايجابيه و السلبيه .
هذا بنظري ما يجب ان تقوم عليه مجتمعاتنا حتى تتحرر
من الرواسب التي تسببها الانظمه المتخلفه العاجزه .
أسئلة تتبادر للذهن في واقعنا العربي الغريب المتناقض : لماذا نخشى التغيير ،
أين المحاسبه ، و كيف تنهض الامة و تتعافى ؟ ماذا يمنعنا من التغيير ،
هل انعدمت البدائل، و هل يجب على الامة ان تبقى
رهينة فساد و عجز الحاكم الى ان يموت ؟ ثم قبل موته يورث ابنه او قريبه او واحد
من افراد قبيلته او فرد من حزبه ! لقد عرف اجدادنا العرب حتى في الجاهليه طرق
مواجهة العجز لدى الحاكم ، ذلك من خلال تنحيته و تولية غيره في الزعامة ، او جعله
حاكما رمزيا لا قيمة له الا بالتشريفات . لا يتخذ القرارات بنفسه، وفي بعض
الاحيان يحجرون عليه اذا كان ذلك ضروريا . و في صدر الاسلام كان الخلفاء
يعزلون الولاة و القاده حينما يكون ذلك في مصلحة الامة ، و اشهر عزل كان عزل
عمر لسعد بن ابي وقاص و خالد بن الوليد و عزل عثمان لعمرو بن العاص
و المغيره بن شعبه رضي الله عنهم ، و عن الصحابة اجمعين .
لم يتردد الخلفاء عن عزل من كان يخفق في عمله ، او من كان للرعية ملاحظات
عليه . بعض تلك الملاحظات و الشكايات لم تكن وجيهه ، لكن الخلفاء كانوا يرون
بان رضى الشعب على الحاكم مهم في بقاء الدوله قوية و متماسكه و قادرة على
مواجهة الصعاب . ان محاسبة المسؤولين عن اخفاقاتهم لا تمثل سببا من اسباب النجاح
فقط بل تمنع تكرار الاخطاء و تضع حدا لتمادي المسؤولين، و تحول دون استهتار
من يليهم من الاستمرار بنفس الاسلوب العبثي و اللامبالي . لان الهزائم و المشكلات
الكبيره لا تكون الا بوجود عجز في القدرات القياديه ، و في المؤسسات التابعه
لها ، المعنيه بالتخطيط و البحث و المتابعه . و لا يمكن لامة تريد التفوق و الحفاظ
على البلاد و مقدراتها ان تقبل المبررات التي عادة ما تلي النكسات و التي
يتفنن في صياغتها حاشية الحكام من مفكرين و رجال دين و ادباء و اعلاميين .
فبدهائهم يصورون الهزيمة نصر و المهزومين ابطال ! و يقللون
من كمية و قيمة الخسائر البشريه و النفسية و الاقتصاديه ! ان اقل ما يمكن فعله
في تلك الظروف هو عزل الحاكم و المسؤولين المباشرين عن العجز ، هذا اذا لم
يتحولوا للمحاكم و المحاسبة ! اما بقاء الواقع بعد الهزائم كما كان عليه قبلها فإنه يعطل
استعادة الامة لكرامتها ، و يدمر الروح المعنوية لابنائها ، و يزيد من التراجعات
و يلحق الامة بالقوى العالمية الكبرى كتابعة لها ، و رهينة لسياساتها التي تكون
في معظمها معادية لتطلعات الامة و استقلالها .اما في الوضع المحلي فان
كرامة المواطن تتعرض للأذى ، وتتضاءل الحريات الى ادنى مستوياتها ، و تتحكم
في سياسات البلاد حفنة من الجهله . و في ثرواتها مجموعه من المرابين و اصحاب
البنوك و المؤسسات الماليه التي في الغالب يكون لها مصالح و ارتباطات خارجيه .
لقد تعرضت الامة لنكسات متكرره منذ 1948 ، و بقيت الانظمه نفسها ، لم يتغير
بها سوى الاسماء . و بقيت الشعوب تنظر للحاكم و حاشيته نظرة قداسة ،
و كأن الاقتراب من الحاكم و اركان حكمه يمثل اختراقا لتلك القداسة .و بقي
الاستبداد قائما بل تجددت ادواته ووسائله القمعيه . و لا زالت مقولة رئيس
الوزراء " الصهيوني" بن غوريون :
" العرب قوم لا يقرؤون وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فَهِموا لا يطبِّقون "
انها مقولة تؤرقنا ، ما لم نغير من اسلوبنا في انظمة الحكم !
فمتى نثبت للعالم اننا نقرأ و نفهم و نطبق ؟ ، و ان الامة قادرة على استعادة
مكانتها ، وقد بدأت السير الى الامام بخطوات واثقة قوية . و ان لا قداسة لاحد
في هذا الزمن . فالحاكم العاجز المتخلف لا مكان له على رأس الهرم ، ان مكانه
في بيته او في مأوى العجزه . و من هنا الى ذاك الوقت نقول لابناء امتنا :
كل نكسة و انتم بخير .. كل هزيمة و انتم كما انتم .
