recent
أخبار الساخنة

بيان صادر عن الاستاذ فتح شريف



 المعلّمين الكرام 

الأهل الأعزّاء 

الطُّلاب الأحبَّاء 

أبناء شعبي العظيم

 

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،


غدًا يوم السّبت ٢٣ آذار ٢٠٢٤ الموافق له ١٣ رمضان ١٤٤٥ هجري، إنّه يومٌ حزينٌ وأليمٌ؛ *فهو أوّل يومٍ منذ ٢٩ عامًا من العمل الدُّوؤب في وكالة الأنروا الذي أكون فيه خارج أسوارِ المدرسة بقرارٍ من المُفوّض العامّ للأنروا صدرَ يوم أمس*. ويعزُّ كثيرًا في داخلي أنّني لن أكون بعد اليوم في مكتبي، ولن أستطيعَ استقبالكم كما جرَت العادة، ولن أُلقي على مسامِعكم الكلمة الصّباحيّة المُعتادَة، ولن أستطيع أن أستمِع إلى احتياجاتِكم أو أُعالجَ مشكلاتِكم، ولن أستطيع بعد اليوم أن أحملَ همّكُم. لن أُخفيَ عليكم هذه المشاعر العميقة التي تتأجّجُ في داخلي؛ *فهذه الثّانويّة قد أصبَحت جُزءًا من كِيانـي، لا بل جُزءًا من بيتِي وأسرتي وعائلتي*، أعرفها حجرًا حجرًا وزاويةً زاويةً، عشِقتُ صفوفَها وَمَمَاشيها، ومسحتُ بيدي على وُرودِها ورياحينِها، وزرعتها شجرةً شجرةً، وتفيّأتُ في ظلِّ أغصانِها وأفنانِها، وشممتُ عبقَ زيتونتِها الغضّة التي عَبّدتُ تُربتَها النّديّة بِـراحة كفّي. ولا أعرف كيف سأتمالكُ نفسي حينما تقتربُ عقاربُ السّاعة من السّابعة صباحًا كلّ يومٍ وأُدركَ حينها أنّني لن أملِكَ الدُّخول إلى باحة المدرسة وتشغيلَ الإذاعة الصّباحيّة لتصدَح بآياتِ الله تعالى، ولا أعرف كمّيّة الصّبر التي سأختَزنُها في داخلي حينما أسمعُ قرع الجرس الصّباحيّ وأدركُ أنّني لن أتحسّسَ وجوهَكم المُشرِقة أو أُصافح أياديكم الطّريّة أو أُتابِع مُشاغباتِكم اللّطيفة أو حتّى أن أُلقيَ عليكم التّحيّة الصّباحيّة لتأخذوا طريقكم بعد ذلك إلى صفوفكم. *أتعرفون شيئًا يا أبنائي، لقد كرّستُ حياتي لتكون هذه الثّانويّة صرحًا تربويًّا ومَعلمًا وطنيًّا ومنارةً إنسانيّةً يُحتذى بها، حتّى شقّتْ طريقها سريعًا في غضونِ سنواتٍ قليلةٍ نحو العالميّة*؛ فكانَ منها سفراء إلى جميع أنحاء العالم ممّن ركبوا البحر أو الجوّ وانطلقوا يحفرون أسماءَهم عميقًا في التّاريخ. *لقد كنتُ أفخَر كثيرًا بأبنائي الطّلبة الذين يأخذون من مصروفهم اليوميّ رغم ضيق ذات اليد ويدفعونه عن طيب خاطر إلى صندوق التّبرّعات ليُطعموا جائعًا أو يُؤوُوا مسكينًا أو يُعيلوا فقيرًا ، فكنتُ أقول في سِـرّي: ها قد أثمرَ زرعُكَ يا أبا الأمين!*


*أبنائي الأحبّة، سبق أن علّمتُكم أنّ الكرامة لا تُقدّر بثمن، وأنّ المواقف الإنسانيّة لا تُشترى، وأنّ لقمة الفقير لا يُساوَم عليها، وأنّ الإنسان ما هو إلّا شيءٌ من لحمٍ وكثيرٌ من شَرَف. وها أنا ذا أدفع اليومَ ثمن كرامتي وكرامتكم جميعًا، أدفع ثمن انتمائي إلى شعبي وتمسُّكي بهويّتي*، وثِقوا تمامًا بأنّني لن أتزحزَح قيد أنملة عن مبادئي ولن أتراجعَ عن مواقفي، ولن أخونَ الله في طلبتي وشعبي وقضيّتي ووطني.. وسأكون كما عرفتُموني دومًا كالجبال الرّاسيات التي لا تهزُّها الرّياح العواتي.     

                                                                                                                                                                                 أنا أعرف تمامًا أنّكم تُشاطرونَني الرّأي بأنّ *هذا قرار جائرٌ وظالمٌ ومُجحِفٌ، وأنّ إدارة الثّانويّة كانت تستحقّ درعَ التّكريم لا قرار الإيقاف*، ولكن هذا قدرُ الله تعالَت مشيئتُه، وراضٍ بحكمه وقضائه، وما اقتضاهُ الله كائنٌ في خلقِه وماضٍ في أرضِه لا محالةَ. *ثقوا بأنّه يعزُّ عليّ فراقكم لحظةً واحدةً، ولكن في قلبي مُتّسعٌ كبيرٌ لكم، ومحبّتكم تنبضُ في أعماقي*. سأبقى معكم بعقلي وقلبي وروحي ووجداني.. سأبقى أُحبّكم.


*محبُّكم جميعًا وسيبقى محبًّا للجميع.. خادمكم فتح شريف أبو الأمين* .


الجمعة ٢٢ آذار ٢٠٢٤ ميلادي

١٢ رمضان ١٤٤٥ هجري

google-playkhamsatmostaqltradent