لا حاجة لنا دائما للتأكيد على دور الصحافة والاعلام ليس في حياة الشعوب والأمم والأوطان فحسب، بل أيضا دولا الهام لهذا القطاع خلال الأحداث والمحطات المصيرية والمنعطفات الهامة التي تتعرض لها الشعوب والأفراد.
ولاشك بأن حرب الابادة التي تنفذها المؤسسة العسكرية والسياسية الاسرائيلية وبتحالف دولي وخاصة أمريكي على قطاع غزة، تعتبر من المحطات الهامة في تاريخ القضية الفلسطينية، بل وتشكل منعطفا مصيريا، لما ستكون لهذا المنعطف من نتائج.
وأمام صمت النظم والمؤسسات الرسمية العربية وعجز الأحزاب والقوى السياسية في فعل ما هو متوجب عليها خلال هذه الحرب، فإن للاعلام دور لابد منه، ذلك وخلال حرب الابادة الصهيونية في القطاع هناك ضرورة لاستنهاض كافة القطاعات الوطنية الفكرية لمواكبة تطورات الأحداث من جهة، ليمارس الاعلام مهمامه في توضيح الرؤيا وقراءة المستقبل والتداعيات والبحث في سبل المواجهة والدور الذي يمكن أن يلعبه الفرد والجماعات على الصعيد الوطني العربي والفلسطيني من جهة وعلى الصعيد الدولي من جهة أخرى.
لاشك بأن وسائل الاعلام والصحافة العربية والعالمية واكبت تطورات العمليات العسكرية والحرب الاسرائيلية على قطاع غزة منذ ساعاتها الأولى من خلال:
= النقل المباشر للعمليات العسكرية خاصة العمليات القتالية البطولية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وأيضا انعكاسات الحرب الوحشية وحرب الابادة التي يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي ضد المدنيين والمنشآت الطبية والتعليمية .
= استضافة المحللين السياسيين والخبراء العسكريين بهدف تحليل ما يجري (خلفياته، أبعاده، مساره، مستقبله).
وأمام ما يجري في قطاع غزة من حرب إبادة وقتال وصمود فلسطيني أسطوري، وما يمكن أن تؤول إليه تطورات العمليات العسكرية والمساعي السياسية، المطلوب من الاعلام ليس نقل ما يجري في غزة فحسب، بل لماذا يجري، خلفياته وتداعياته ومستقبله، لوعي ما يجري من جهة، ولنقل الرأي العام من النظرة السطحية للأحداث إلى العمق، ليس بما هي فقط، بل في حركيتها وتحولات وضعها وترابطها، فليس المطلوب هو التوصيف إلا إذا كان مدخلا للتحليل وليس المطلوب النظر للأحداث فقط، بل المطلوب هو وعي الحركة الواقعية .
والمطلوب اليوم أيضا إعلام وصحافة إلى جانب دورها التحليلي وتشكيل الوعي وبلورة رأي عام، المطلوب أيضا إعلاما يستنهض الطاقات ويدفع باتجاه الانخراط الواعي والمنظم في ميادين المواجهة مع العدو على كل الجبهات العسكرية والاقتصادية والسياسية والاعلامية، بهدف تحويل الصراع إلى صراع شامل مع الاحتلال.
هذا الدفع وهذا الوعي لتطورات الأحداث، ليس مهمة السياسيين فحسب، بل هي أيضا مهمة الاعلاميين والصحفيين، نظرا لأهمية دور الاعلام والصحافة، ولكن ما يشكل خطرا على دور الاعلام:
أن يكون هذا الاعلام تابعا وليس حرا، منقسما، أو أن يكون إعلاما سطحيا ركيكا، أو أن يسيطر على الكادر الاعلامي التعصب التنظيمي والفئوي، هذا يهلل بعمى القلب والعقل ولا يرى أبعد من أنفه، وهذا متشائم ويشكك ويغمض عينيه ولا يرى الواقع إلا من خلال مصالحه.
المطلوب أعلام وطني وثوري حر، إعلام محترف يؤدي مهمته بدقة وبروح وطنية وحرفية عالية، المطلوب إعلام يرى الواقع ويتمكن من تحليله وتحديد خلفياته ومساره ومستقبله.