عندما وصلتني تلك الصورة انطلق خيالي بعيدا . لا يمكنني ان اترجم ذاك الشعور
الذي تملكني . قلت كم طفل غزي مر بهذه التجربة او اقسى منها . كم طفل فلسطيني
شاهد بام عينيه اشلاء والديه و اخوته ؟ كم محمد درة و كم احمد دوابشة في فلسطين .
تساقطت دموعي بغزارة ، دموع الشعور بالعجز عن فعل شيئ . بينما كان يسيطر
عليّ هذا الشعور كان الطفل الغزي الصغير يحمي شقيقته بكفيه ، يضع رأسها تحت
إبطيه ليمنع عنها شظايا قذائف الاحتلال ، لم يفكر بنفسه ، فكر بحماية اخته .
لم يهرب ليختبئ في جحر كما يفعل الصهاينة ، فليس في غزة مكان يأمن فيه
الطفل على نفسه ، ان غزة في عقيدة الصهيوني مستباحة ، اطفالها و نساءها و
شيوخها ، مساجدها و مبانيها و مستشفياتها و شوارعها و صيدلياتها و بنوكها،
كل شيئ في غزة يمثل هدف للصهيوني المجرم الذي يخشى المواجهة ، لكنه
يرمي القنابل بكل احجامها لقتل كل اشكال الحياة و المدنية ، و يتعدى الحقد
الصهيوني ليصل الى القبور و الى باطن الارض قبل ظاهرها . و مع كل اسلحة
الفتك و الدمار لا يُلحظ راية بيضاء ترفع في غزة ، لا يُنتظر من غزة سوى الارادة
و الصمود و التحدي و الصواريخ . ان غزة التي تعمر بالقلوب البيضاء لا تدرج
في قاموسها راية بيضاء ، فمن يقدم النجيع الاحمر يصعب عليه الالتفات للالوان
الاخرى . انها غزة التي تمنت رئيسة وزراء العدو السابقة ان تنهض من نومها
لترى غزة غارقة في البحر ، لكن المجرمة التي نفقت و اصبح عظامها رميم تحت
التراب لم تكن تتخيل بان غزة ستجعل كل سكان المدن المحتلة يرتجفون و هم
تحت الارض ، لا يتمكن احدهم الذهاب الى بيت الخلاء الا بصعوبة ، و لا يمكنه
التنفس الا بأمر من قادة المقاومة . نعم يا بني احمي اختك فليس لها بعد الله الا انت .
فلا تنتظر نصرة من وراء الحدود ، انهم مبهورون بهذا القرد الذي يقفز رعبا
منك ، لقد جعلوه اسطورة ، و انت اثبت لهم مرة تلو الاخرى انهم اسطورة
من ورق . صدق فيهم قول الله عزوجل :" لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ
أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ " . انهم لا يخيفون الا الجبناء ، و ما اكثرهم في عواصم العرب .
يا بني الصغير ما دام في شعبنا طفل مثلك فلا خوف علينا و لا على قضيتنا ،
ما دام في شعبنا اطفال يتطلعون الى مستقبل حر كريم بلا احتلال ،ما دام فينا
من يحمل الإباء بين اضلعه فإننا شعب منتصر لا محالة ، و ان عدونا الى زوال .
ماهر الصديق