recent
أخبار الساخنة

في يوم الأسير الفلسطيني.. عن شقيقتي الأسيرة المحررة فاطمة ‏ ‏بقلم ‏علي ‏هويدي

الصفحة الرئيسية

كان عمرها 21 سنة عندما اعتقلها جنود الاحتلال الإسرائيلي من منزلنا في مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان سنة 1984، وذلك إبان غزو الاحتلال في العام 1982 لتقضي في زنازين "معتقل الريجي" الإسرائيلي للنساء في منطقة النبطية حوالي الخمسة أشهر بتهمة كتابة الشعارات على الجدران، وتوزيع المنشورات، والتحريض على مقاومة الاحتلال.. ليتم تحرير فاطمة وزميلاتها بعد اندحار الاحتلال عن جزء من جنوب لبنان في العام 1985.. 

لم تُعرف شقيقتي إلا بالمبدعة وبالمتفوقة في مدرستها بشهادة زميلاتها ومدرسيها، ولم تُعرف إلا بثقافتها وقراءاتها المتنوعة، ومعرفتها الوطنية الواسعة، وبذكائها الفطري، حتى كان يسميها أستاذ مادة العلوم في مدرسة النقب التكميلية التابعة للأونروا في المخيم المرحوم غازي الأسعد بصاحبة الخط المميز، فمنذ صغر سنها وقد وهبها الله القدرة على الكتابة بخط عربي وأجنبي جميل يتميز بفارق كبير عن زميلاتها، وكانت تساعد والدتي رحمها الله التي كانت تمارس مهنة الخياطة في ممارسة موهبتها في الرسم، لرسم الأزياء الخاصة بالنساء على الورق، لتنفيذها على القماش..

بخلاف زميلاتها؛ فاطمة التي اعتقلت وأُدخلت المعتقل، لم تكن هي فاطمة التي تحررت من قيد المحتل لتعود بكامل قواها الجسدية والعقلية كما كانت قبل أن تُعتقل، فتعذيب السجان لم ينل من جسدها بقدر النيل من قدرتها على إعادة التكيف مع المجتمع من جديد، لتعاني من حالة انفصام بالشخصية بدأت في المعتقل، فالاهانة كانت كبيرة، وقد مُسّت كرامتها، ولم تستطع تحمل الصدمة حسب تشخيص الطبيب المختص.. 

دفعتنا حالة فاطمة كعائلة للتنقل بها من مستشفى إلى آخر، وكان "مستشفى الصليب للأمراض العقلية والنفسية" في منطقة "جل الديب" شرق بيروت المكان الذي عولجت فيه لسنوات طويلة، مع إقامات متفاوته تصل أحيانا إلى أكثر من ثلاثة أشهر متواصلة.. 

الحمد لله استقر حال فاطمة في منزل العائلة في المخيم مع ضرورة عدم التوقف عن تناول الأدوية الخاصة وباستمرار وبانتظام، مع مراجعة طبيبها الخاص عند الحاجة، واستطاعت لفترة طويلة مواصلة التطريز الفلسطيني التراثي وقد أبدعت فيه، لكنها توقفت بعد ذلك لعدم القدرة على الاستمرار لأسباب صحية.. 

شقيقتي فاطمة الحنونة صاحبة "الخط المميز" نموذجاً لما عانته وتعانيه المرأة الفلسطينية من بطش وجور وظلم وقسوة المحتل، وشاهد حيّ على الإجرام الذي يُمارس يومياً بحق أسرانا وأسيراتنا ومعتقلينا في سجون الاحتلال..

في يوم الأسير الفلسطيني، نستذكر أسرانا وأسيراتنا في سجون الاحتلال الذين يقاومون المحتل بصمودهم وبإرادتهم الصلبة، ندعو لهم بالإفراج العاجل غير الآجل، ونستذكر أيضاً من خرج من تلك الزنازين، ومن أقبية تلك السجون المعتمة، ولا زال يعاني من آثار التعذيب الجسدي والنفسي.. 

ومنصور الشحاتيت الذي أُطلق سراحه من سجون الاحتلال في 8/4/2021 بعد 17 سنة فاقداً للذاكرة من أثر التعذيب، ولم يتعرف على والدته وإخوته، أحد أوجه تلك المعاناة التي لا تتوقف..

علي هويدي 
في 18/4/2021
google-playkhamsatmostaqltradent