سأل اليوتيوبر الفلسطيني أحد الشباب الواقفين في الشارع عن الأحوال المعيشية
التي يمر بها ، و التي يعاني منها الشعب الفلسطيني عموما ؟ أجاب الشاب :
بان الاوضاع سيئة جدا و البطالة منتشرة و الظروف قاسية . فقال اليوتيوبر :
أعطيك مئة دولار لو فعلت شيئا اطلبه منك ، رد الشاب : أَفعل مقابل المئة دولار ،
فانا بامس الحاجة . تناول السائل ورقة طبع عليها علم دولة الاحتلال و قال : قبّله
مقابل مئة دولار . كان رد الشاب سريعا و حاسما و عنيفا ، فلقد صفعة بكمية من
الصفعات و لحقه بركلاته . لا ندري كيف انتهى الأمر لأن اليوتيوبر أوقف التصوير .
مشهد يجب أن يشاهده كل شخص حتى يفهم حجم العداء بين صاحب الوطن و بين
المحتل . عداء لا تخفيه اتفاقيات و معاهدات و تطبيع ، و لا ضغوطات اقتصادية أو
قمع أو عدوان . نعم قد يمر الفلسطيني في ظروف معيشية صعبة و قد يتعرض
لحصار و لكل أنواع التضييق لكنه لا يقايض أي شيء ووطنه ومقدساته . لا تجعله
ظروفه يخضع لأي ابتزاز و للركوع أمام عدوه . يجب أن تنظروا إلى الشاب الوديع
الباسم المثقل بالهموم ، لقد فرح بهذه الفرصة لكسب مبلغ من المال ، هو بأمس
الحاجة اليه ، لكن عندما كان الثمن تقبيل العلم الصهيوني كانت ردة فعله عنيفة و
سريعة ولا تحتاج للتفكير ، فقد هدوئه و قفز كالأسد الجريح . شعر انه كرامته
تهان ، و أنه يساوم بين وطنيته و بين رغيف خبزه . و ما كان للفلسطيني أن
يغلب أي شيئ على وطنه ، و ما كان له أن ينحني أمام جبروت عدوه . موقف
عزيز يمثل أنفة الفلسطيني و انحيازه الكامل لقضيته المقدسة غير القابلة للمساومة .
هذا هو الموقف الحقيقي الذي يمثل الشعب الفلسطيني من التطبيع و من أصحابه .
لا يهم ما يصدر من هنا و هناك ، و لا يهم إصرار البعض على أوسلو و على
عدم الوقوف الحازم تجاه دول التطبيع . الموقف الفلسطيني الذي يمثل الشعب
في كل أنحاء العالم هو ما عبر عنه الشاب الذي انتفض كالاسد عندما عرض
عليه علم الصهاينة مقابل المال ، و لسان حاله يقول : انا افدي فلسطين بمالي
و ولدي و نفسي و لا أقايضها بمال الأرض . هو نفس ما قاله السلطان العثماني
عبد الحميد الثاني رحمه الله للزعيم الصهيوني هرتزل : " لو قدمتم لي كل ذهب
الأرض ما تخليت لكم عن فلسطين ، إن فلسطين ليست ملكي أنها ملك المسلمين
و قد قدم أسلافنا دمائهم من أجلها " . يومها أراد اليهود أن يستغلوا حاجة ألدولة
العثمانية التي تراكمت عليها الديون ، فاعتبروا أنها الفرصة الذهبية لتنازل الخلفية
العثماني عن الأرض المقدسة . لكنهم صدموا بالموقف الشريف و الشجاع من هذا
القائد المسلم الذي اردف : احتفظوا باموالكم و ذهبكم فلن تحوزوا على فلسطين
ما دمت حيا ، عندما اموت يمكن لكم أن تأخذوها بلا ثمن . هذه القطعة الطاهرة
المباركة ليست كثبان رمال في الصحراء الغربية إن فيها أقدس مقدسات الأمة .
هذا ما قالته الشابة المغربية الغاضبة على نظامها الملكي الحاكم الذي رضي
بالتطبيع مقابل اعتراف امريكا بمغربية الصحراء . لقد كانت تلك الشابة تتكلم
بحرقة و تبكي و تقول : أشعر بالخجل من فعل حكومة المغرب و اعتذر للشعب
الفلسطيني . لقد أعلنت موقفها كما أعلن الكثير من الأخوة المغاربة براءتهم
من فعل دولتهم و من طيش ملكها . و لو كان هذا الملك المتخلف يملك عقلا
لما فعل ذلك حتى دون ابتزاز التطبيع ، ذلك أن أمريكا تريد ابقاء الخلافات بين
الجارتين الشقيقتين الجزائر و المغرب ، و تريد أن تبقي الصراع الدموي الطويل
مستمرا بين شعب الصحراء و بين القوات المغربية . لكن عنجهيته و سطحيته
لم تمكنه من التفكير السليم . التفكير السليم هو باستفتاء شعب الصحراء اما
بقبول الانضمام للمغرب أو بالاستقلال . ان أوغاد العرب يستطيعون أن يوقعوا
على الأوراق البيضاء و الصفراء التي تتخلى عن الكرامة الوطنية و الشخصية
مقابل الحفاظ على عروش مهترئة ، و مقابل امتيازات و أموال ، لكن كل ذلك
يبقى حبرا على ورق مادامت في العروق العربية دماء صافية نقية ترفض
الذل و الهوان و لا تقبل بالتنازل عن المقدسات .