recent
أخبار الساخنة

*بيان صادر عن قيادة حركة فتح في لبنان* *ـ الانتفاضة الأولى مشعل الثورة الفلسطينية ـ*



الانتفاضة الشعبية

إن الانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي بدأت عملياً في 9/12/1987 كانت حدثاً مفصلياً على الصعيد الوطني الفلسطيني، وتصعيد الصراع ضد الاحتلال الصهيوني، وهي استكمال للتجارب والانجازات السابقة خاصة ما حصل في يوم الأرض 30/3/1976. 

الانتفاضة الأولى كانت عملاً منظماً ومدروساً وفعَّالاً في إطار التخطيط المحكم لقيادة العمل  اليومي في مواجهة إجراءات الاحتلال  الإجرامية والتعسفية. وما ميَّز هذه الانتفاضة أنها وحَّدت ونظَّمت الجهود الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، وذلك بقيادة القيادة الوطنية الموحَّدة للجسم الأساسي للفصائل الفلسطينية الممثلة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. هذه القناعات المشتركة تجسدت ميدانياً بين الجميع على أساس البرنامج الذي وضعته القيادة الوطنية الموحَّدة.

وقعت مسؤوليات جسيمة على عاتق هذه الانتفاضة التي تحمَّلت مسؤوليات قطع دابر الفتنة التي كان يشعلها الاحتلال الصهيوني، وإطفاء نار الفتن والنعرات.

ولكي تتمكن هذه الانتفاضة من تحقيق أهدافها كان عليها أن تفرض مجموعة حقائق كي تواصل مسيرتها الوطنية:

  1. كان عليها عبر كفاحها اليومي أن تؤكد بأن الشعب الفلسطيني ملتف حول منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، وأن الانتفاضة في الداخل هي جزء لا يتجزأ من منظمة التحرير وليست عملاً منفصلاً أو بديلاً وما أكد ذلك هو صدور البيانات المشتركة حول الأنشطة الكفاحية.

  2.  لقد نجحت القيادة الوطنية الموحدة في تكريس منهج وطني متصادم مع الاحتلال وبشكل يومي، وهذا كان يتطلب حشد كافة القوى، والفعاليات والقطاعات الشعبية بوجه الاحتلال، وهذا ما جعل كافة الأطراف تسارع إلى التنسيق والمشاركة مع القيادة الوطنية حتى يكون العمل مشتركا، والاستفادة من قدرات قيادة منظمة التحرير في التواصل مع الجهات العربية والدولية لتفعيل الانتفاضة وحمايتها، واستثمار انجازاتها لتحقيق الهدف الأساس وهو تحرير الأرض ودحر الاحتلال.

ولا شك أن الخروج المحدود لحركة حماس عن برنامج القيادة الوطنية الموحدة تعاطى معه الجميع على أنه أمر طبيعي في العلاقات الجبهورية  بين الأطراف المتعددة لأن  ما تم الاتفاق عليه بين القيادة الموحدة وحركة حماس، هو أنَّ الأولوية في هذه المرحلة هي لتصفية الاحتلال، ونيل الاستقلال.

  1. كان عل القيادة الوطنية الموحدة التي تقود الانتفاضة الإشراف على كل صغيرة وكبيرة سواء في أساليب المقاومة، أو الوسائل المستخدمة، لأنَّ استخدام وسائل أو أساليب أخرى قبل وقتها سيجرُّ الانتفاضة إلى متاهات وضياع، ويفقدها التعاطف العالمي، ويدفع الطرف الصهيوني إلى استخدام العنف الشديد، وهذا ما يجعل الانتفاضة مسلَّحة وليست شعبية. وهذا يؤدي إلى الخروج عن الخطة المرسومة.

  2.  يجب إفهام العدو الصهيوني بأنَّ الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والذي يستخدم في مقاومته الحجارة، وزجاجات المولوثوف، والبطاطا المليئة  بالمسامير هو يمتلك قمة الوعي السياسي، والعقيدة الراسخة، والجرأة الكافية، والخبرة المميَّزة في إدارة المعركة، وفي الوقت نفسه بناء المؤسسات الشعبية والجماهيرية، وهذا ما جعل العدوَّ مربكاً لأنه ليس أمام ظاهرة عفوية، وإنما هو وجهاً لوجه مع شعب منظَّم يناضل من أجل حقوقه المشروعة.

  3.  القيادة الوطنية الموحَّدة كانت تدرك أنَّ أبرز أهدافها الُملحة هو لفت انتباه وتفكير العالم للعمل جدياً من أجل حماية الشعوب المضطهدة، وإزالة الاحتلال من الأراضي الفلسطينية أولاً، والتي يعاني فيها أبناء الشعب الفلسطيني خاصة النساء والأطفال والشيوخ من استخدام العدو للرصاص والقنابل والعنف مقابل الحجارة، وكانت هناك سلسلة من الجرائم ارتكبت بحق الأهالي على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام. وتمكَّنت الانتفاضة من ملاحقة الأكاذيب الصهيونية، وكشف الحقائق وهكذا تخطَت الانتفاضة المراحل الأولى الصعبة، وشقت طريقها بقوة، وأصبح كل يوم من أيام الانتفاضة الأولى يوماً مؤثِّراً كيوم الأرض الذي حدث في 30/3/1976.

فبعد شهر أيار العام 1988 صرَّح يهوشافاط هركابي وهو أستاذ العلاقات الدولية في (الجامعة العبرية بالقدس) قائلاً: (إذا واصلت إسرائيل عدم رغبتها في قبول دولة فلسطينية، فسوف يصبح الأمر جحيماً بالنسبة لنا ولهم، فهذه الانتفاضة مهيأة للتصاعد العنيف) وأضاف: (من الخطأ أن نجرِّم منظمة التحرير الفلسطينية، لأننا بذلك نُجرِّم كلَّ الشعب الفلسطيني، وهذا خطأُ أخلاقياً. إن الانتفاضة الفلسطينية فرضت نفسها على أرض الواقع، ولم تعد وهماً، أو مجرَّد ردة فعل، حتى أن قادة العدو أنفسهم استخدموا عبارة ( الانتفاضة) نفسها، لأنه لا يستطيع أحد أن يدير ظهره لها، فهي تطالب بالسلام العادل والشامل.

إنَّ الأحداث والأنشطة اليومية للانتفاضة تؤكد بأنها لم تكن هبَّة عاطفية أو عفوية، وإنما انطلقت وتطورت بمزيد من الدقة والتنظيم والمتابعة، والمعالجة المتواصلة لكل نقاط الضعف.

إنَّ قيادة الداخل تمتعت بمستوى عال من الوعي الوطني والسياسي، خاصةً أنها كانت تخطو خطواتها الناضجة تحت إشراف ومراقبة ومتابعة الشهيد أبو جهاد خليل  الوزير، وقيادة الداخل نجحت في خطواتها  الميدانية لأنها كانت تدرس الواقع بكل معطياته، ومن كل جوانبه النضالية، والحياتية الاجتماعية، والإدارية والثقافية.

إنَّ اللجان القيادية كانت تعطي إهتماماً بالغاً لمتابعة تحركات وخطط العدو الصهيوني، وكيفية مواجهتها، وتحديد نقاط الضعف في صفوفه، ثم استخدام الوسائل الأكثر إيلاماً للمؤسسة العسكرية الصهيونية.

إن الانتفاضة الناضجة التي خاضها شعبنا، والتي شاهدها العالم بكل إعجاب لم تأتِ من فراغ، وهي ليست عفوية، فكل شيء يسير ضمن الخطة مع تعزيز عوامل الصمود الذاتية وبالتالي فإن انطلاقة الانتفاضة شكَّلت مرحلة نضوج فكري وثوري.

أما الظروف التي كانت سائدة آنذاك فهي غاية في التعقيد والتأزيم، وهناك حالة صراعات قائمة في الوضع العربي، وأيضاً حالة إرباك واسعة في الوضع الفلسطيني لأن الانتفاضة جاءت بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان وصولاً إلى بيروت، ثم حصل الصراع الداخلي بين الفصائل الفلسطينية في لبنان؟، وغيرها من الأزمات الخانقة، ولذلك فإن إنطلاقة الانتفاضة واستمرارها أعادت للأمة العربية  الاعتبار القومي والسياسي. 

ومن أثار الانتفاضة الايجابية على الأمة وعلى الشارع الفلسطيني كان انعقاد القمة العربية في الجزائر في الأسبوع الأول من حزيران 1988، ثم كان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في 12/11/1988، وقد فرضت الانتفاضة حضورها السياسي على هذه القمم، وأثَّرت إيجابياً على القرارات الصادرة عنها، كما أنه علينا أن لا ننسى بأن المبعدين المناضلين من قيادات الانتفاضة الذين أبعدهم الاحتلال بعد إنطلاق الانتفاضة، والذين وصلوا إلى لبنان  كان لهم دور مؤثِّر في إنهاء الخلافات التي كانت سائدة بين المخيمات والجوار، وكان ذلك بعد قيام الوفد بزيارة الرئيس نبيه بري وفي مقدمتهم الأخوة جبريل رجوب، وتيسير نصر الله وسمير صبيحات والشقاقي، وابو عاهد ومحمد اللبدي، وعدنان ضاهر، وسليمان جابر وذلك باسم الانتفاضة الفلسطينية، وهذه كانت بداية حلحلة الازمة ، كما شارك في هذه اللقاءات الأخوة:

( ولؤي عبده، وجمال زقوت، وجمال عبد اللطيف، ومرسي عبد الهادي، وأحمد الديك، وزياد نخال، وكان عدد المبعدين في تلك الدفعة ثلاثة وستون  مبعداً من مختلف الفصائل.

لا بد من التذكير بأن حرارة هذه الانتفاضة التي جاءت بعد حالة الاحتقان الداخلي التي تحدثنا عنها وكانت في 9/12/1987 عندما قامت شاحنة للعدو الصهيوني بدهم سيارتي تكسي تقلان فلسطينيين أثناء توقفهم على حاجز إيرز العسكري، وبشكل متعمَّد على طريق عسقلان مما أدى إلى استشهاد أربعة فلسطينيين وجرح سبعة آخرين، والشهداء هم، طالب محمد عبد الله أبو زيد من مخيم المغازي، وعصام محمد حمودة من مخيم جباليا وشعبان سيد نبهان من بلدة جباليا، وكمال قدُّورة، وحسن حمودة، من بلدة جباليا.

وكانت سلطات الاحتلال قد قامت بارتكاب جريمة على مدخل مخيم البريج بقتل ثلاثة مواطنين على مدخل البريج بعد انزالهم من السيارة وهم سعيد أبو هادي الذي كان في حالة خطرة، إضافة إلى سعيد قراق، وعبد الندى صرصور، ورأفت قرَّان.

ثم إزدادت التظاهرات والاحتجاجات في الضفة والقطاع وخاصة في الجامعات والمدارس، واستشهدت الطالبة انتصار العطار(17 عاماً) وتحت مداهمة المدارس، واعتقال الطلاب، وفي 20/11/1987 بدأت التظاهرات الحاشدة احتجاجاً على ابعاد الشيح عبد العزيز عودة، والدكتور عوض مبارك.

بدأت الحراكات الشعبية الوطنية تتصاعد في مختلف المناطق، وكانت بالغة الاهمية في 10/12/1987 وذلك احتجاجاً على جريمة قتل الشهيدين حاتم محمد أبو سيسي، وأحمد أبو خوصة في مخيم جباليا وفي مظاهرة الاحتجاجات على اثر الجريمة استشهد ابراهيم العكليك ثم استشهد في مخيم بلاطة كل من سهيلة كعبي، واحمد فاعور علي مساعد، وسحر الجرمي.

هذا الشرح المفصَّل للجرائم الصهيونية هو الذي يفسِّر العقلية الإجرامية الصهيونية التي عرفت قيادة الثورة والانتفاضة كيف تواجهها. وكيف تقهر إرادة الاحتلال، وكيف تجبره على التسليم بأن إرادة شعبنا الثورية، وصلابة مواقفنا الوطنية، والنضج السياسي في اتخاذ قرارات المواجهة هو الذي جعل العالم يقف بكل احترام وإعجاب وتقدير أمام التضحيات، والبطولات، والانجازات التي تمَّ تحقيقها، وهي أثارت استغراب العالم بأسره أمام هذا الأداء القيادي المميَّز، وأمام هذه التضحيات وهذه البطولات.


google-playkhamsatmostaqltradent