recent
أخبار الساخنة

- سيرة زياد أبو عين صفحةٌ لن تُطوى –

الصفحة الرئيسية




سيرةُ زياد أبو عين القائد، والأسير، والمقاوم، والمنتمي حتى النخاع لفلسطين وقلبها النابض حركة فتح. هذه السيرة مكتنزة بالقيم الثورية، والمواقف الوطنية، والصلابة العقائدية، والإرادة التي لا يهزها إرهابُ بني صهيون.
منذ وعيه الأول دخل تجربة الاعتقال والتعذيب في 4/11/1977 وعمره لا يتجاوز الثمانية عشر عاماً، وقد أفرج عنه بعد الاعتقال الثاني 1979 في العام 30/7/1985، وبعد ذلك اعتقل أكثر من مرة ولسنوات عديدة. ثم اعتقل في الانتفاضة الثانية إدارياً العام 2002.
ولعلَّ فترة الاعتقال الأشد والأقسى كانت في المعتقلات الأميركية والصهيونية لمدة ثلاثة عشرعاماً. والمعروف عنه رحمه الله أنه أول معتقل عربي تسلِّمه الولايات المتحدة إلى الكيان الصهيوني العام 1981 رغم قرارات الأمم المتحدة التي صدرت وناصرته وطالبت بالإفراج عنه.
كان القائد زياد أبو عين في مسيرته النضالية صلباً، وناضجاً، ومثقفاً، بمعنى أوضح كان رقماً صعباً، وشخصية استقطابية ومؤثرة، وقائداً جماهيرياً ونقابياً، ترتاحُ إليه النفوس، وتتعاطى معه بكل ثقة واحترام ودون تردد، فهو ليس لديه حسابات خاصة، فحساباتُه وتقديراتُه فتحاوية طاهرة ونظيفة تبحث عن فلسطين الوطن، والشعب، والحرية، والكرامة، وحيثما تكون المهمة الأصعب والأدق وجدانياً ووطنياً وتضحيةً تجد على رأسها القائد زياد أبو عين الشهيد، الذي يفكَّر بشعبه قبل أن يفكِّر بأسرته، فالوطنُ هو أُسرته الكبيرة. ولأن الشهيد القائد زياد أبو عين هذه خصائصهُ التي مَّيزت سيرته الكفاحية فقد أثقلت القيادة الفلسطينية عليه أعباءَ المسؤولية في العديد من المهام المركزية، من أجل أن تبقى في أيدٍ أمنية، وتم تكليفه بالمسؤوليات التالية: فهو مدير عام هيئة الرقابة العامة في الضفة العام 1994، ومدير هيئة الرقابة الداخلية في حركة فتح في الضفة الغربية 1993، ورئيس رابطة مقاتلي الثورة القدامى 1996، وعضو هيئة التعبئة والتنظيم(رئيس لجنة الأسرى) في مجلس التعبئة ( 2003-2007). كما صدر قرار بتعيينه رئيساً لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان العام 2014 برتبة وزير في السلطة وهو عضو مجلس ثوري منتخب.
هذا القائد الميداني المعقم بالكرامة والكبرياء الوطن كانت تربطه بتراب الوطن تلك العلاقات الوجدانية، فتراب فلسطين ترابٌ مقدَّس، فهو مجبول بدماء الصحابة الذين قاتلوا وحرَّروا التراب المبارك، وهذا التراب هو تراب المسلمين الذين دافعوا عن القدس والأقصى، وأيضاً هو ترابٌ مجبولٌ بدماء شهداء ثورتنا الفلسطينية، وانتفاضاتنا الشعبية المتعاقبة التي انطلقت، وتواصلت، ومازالت، وستبقى،لأننا نحن من اختارنا اللهُ سبحانه لحماية أرضه ومقدساته المباركة.
كان نهجهُ القيادي دائماً يستند إلى الممارسة الميدانية ويداً بيد، وجنباً إلى جنب، وعندما يشتد الصدام هو يتقدم الصفوف لأنه قائدٌ يصدُّ رصاص العدو بصدره كي يحمي رفاق دربه.
كانت عمليةُ الاغتيال متعمدَّةً من أجل قتل هذا الرمز الوطني الفتحاوي، الذي يخوض معركة حماية الأرض من المصادرة والاستيطان، ومن أجل زراعة أشجار الزيتون المباركة، والتي يتعمَّد الاحتلال الصهيوني ومستوطنوه اقتلاعها من جذورها، أو قطع أغصانها، أو حرقها بهدف شطب وإلغاء التراث الفلسطيني، وخاصة شجرة الزيتون، وهي من مكوِّنات الوطن الفلسطيني، ولها علاقة بالوجدان والتراب، والقرآن الكريم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِسِينِينَ (2)وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ(3)صدق الله العظيم لهذا كله فإنَّ الشهيد القائد زياد أبو عين هو والوطن صنوان لا يفترقان، وعندما فارق الحياة أصرَّعلى أن يروي الترابَ وجذورَ نبتةِ الزيتون من دمائه، كي يمضي بعد ذلك مطمئناً وقد أدى الأمانة.
كان ذلك في بلدة ترمسعيّا في محافظة رام الله والبيرة، في 10/12/2014 كان التحدي على أشُدِّه، فجنودُ الاحتلال وضباطهم مدججون بالسلاح، والرصاص والقنابل، وجاهزون كعادتهم لارتكاب الجريمة لطرد الأهالي من أرضهم، وبالمقابل وقف القائد زيادأبوعين ومعه ثلةٌ متواضعة من أبناء البلدة الفلسطينية، وسلاحهم الحجارة، أما سلاحهم الأقوى فكان نبتة الزيتون التي تمسَّك بها القائد زياد، وتقدَّم الصفَّ ليزرعها بكل عنفوان، ويدفن جذورها في الأرض الطاهرة.
هذا المشهد الوطني المعبِّر أقضَّ مضاجع المجموعة العسكرية الصهيونية، وأشعلَ فيها الأحقاد الصهيونية، وهذا ما جعل الضابط الصهيوني المجبول بالكراهية والإجرام أن يتعمَّدَ الإمساكَ برقبة الشهيد زياد والضغط على أنفاسه حتى فارقَ الحياة شهيداً مودِّعاً زملاءَه، ونبتَتهُ الخضراء التي ارتوت بدمائه الزكية. ومضى زياد رحمه الله مطمئناً، لأنه أدى الأمانة وأوصل الرسالة، بأن شعبنا الفلسطيني لن يتخلى عن الأرض المباركة، وهو المؤتمن على أرض الأنبياء، وعلى أرض الأقصى والمعراج، وكنيسة بيت لحم والقيامة، وقبور الصحابة.
والرسالة موجَّهةٌ إلى كل المطبِّعين مع الاحتلال الصهيوني، واللاهثين خلف نتنياهو الصهيوني الذي ارتكب المجازرَ والمذابحَ وما زال بحق أهلنا وشعبنا، خاصة في الضفة الغربية، وقطاع غزة، نقول لهم: تذكَّروا أنَّ هناك شعباً يرزحُ تحت الاحتلال، وما زال يقدم الشهداء، ويصارعُ من أجل المقدسات والتراب، فماذا أنتم فاعلون؟!
في ذكرى رحيل هذا القائد الشعبي الفتحاوي المتواضع، الذي تجسَّدت حركة فتح بطهارتها وبراءتها في سلوكه ومواقفه، ومنه أستقت حركة فتح التي ربَّته مشاهدَ راقية وطنياً وإنسانياً، وكما قال فيه ممثل هضبة الجولان المحتل بشير المقت:"اسم الفدائي يليقُ بالشهيد أبوعين".كما أنَّ القائد الأسير مروان البرغوثي نعاهُ عند استشهاده بالقول: "إمتاز أبو عين بوطنية صادقة، ونشاط قاطع النظير، وكان يشارك في المقدمة في جميع الفعاليات، ولم يهرب من أية مواجهة". أمَّا ابنة المرحوم الشهيد أبو عين المناضلة محار فقد ودَّعت والدها بالقول:" كان دائماً يتساءَل ما الذي سيقدمه من أجل فلسطين، واليوم قدَّمْتَ روحك يا والدي فداءً للوطن".
لقد أنصفتْهُ ابنةُ عمه زينب أبو عين عندما نعتْهُ بالقول:"يكفيه فخراً بأنه استشهد في الميدان، وهو يدافعُ عن أرض فلسطين التي يصادرها الاستيطان. وأما رفيق دربه قدورة فارس فقد اختزل حياتَهُ بكلماتِ جميلات نابعات من معين الوطن الأسير والمحارب:" الشهيد أبو عين تلقائي وطني بالفطرة، متسامحٌ لا يحقد على أحد، يختلف مع الناس ويتصالح معهم خلال دقيقتين، وكان يمارس حبه لفلسطين بطريقة حب الطفل لأمه، وكان يتحمل الانتقاد وهو غير متحامل ولا منفعل رغم بعض الانتقادات له في العمل، وخاصة مع عائلات الأسرى".
أرملة الشهيد أم طارق التي سيطر عليها الحُزنُ، والألمُ والفراق كانت تستجمعُ قواها أمام الحدث الجلل لتقول بعض الكلمات:" أُطالب بمحاكمة الاحتلال على جريمته، وأدعو إِلى مواصلة السير على درب الشهيد في مقاومته الشعبية للاحتلال".
في ذكرى استشهادك يا من تقدَّمْتَ الصفوف، وأنت الآن في جنان الخلد، وتحت رحمة الله، فإننا وبعد أن ضاقت بنا الحال ، وتعقَّدت الخيارات، واختلطت الألوان، وعزَّت الرجال الرجال، وتداخلَ الحابل بالنابل وأصبحت الدنيا اكبر همِّنا، وتناسينا مآثركم، وقلَّما نزور مقابرَكم لاستنشاق عطر الشهادة يفوح من أضرحتكم ، فنحن خائفون من حاضرنا الذي يُطاردنا ويُحاصرنا، ولا نجرؤ على مكاشفةِ ذاتنا، ومحاسبة أنفسنا، والاعتراف أمام ضمائرنا بالحقائق المرة حتى لا تقضَّ مضاجعَنا، وحتى لا تنغِّص حياتنا المستوردة من عالم المصالح والمنافع والمكاسب، بعدها غادر البعضُ مربَّع النزاهة، والأمانة، والوفاء للشهداء. نعم يا أبا طارق لقد طغت على بعضنا الأنانية، والعشائرية، والعائلية، والمحورية، والتكتلات ، بعد أن كنا عشيرةً واحدة، وعائلة واحدة ، وعلى قلب رجلٍ واحد ،وبعد أن كنا أبرياء نبحث عن الشهادة لأنَّ فيها العزة والكرامة، أصبحنا اليوم نتنافس على جيفةِ الدنيا،(إلاّ من رحم ربي) ونسينا وصايا شهدائنا الأبرار الذين صنعوا لنا مركبَ الثورة، كي يُقلِّنا ويحملنا حيث التضحية، والفداء، وبذل الدماء، وصَوْن الأرض والعرض، وحفظ الأمانة، وضاعت القِيم الثورية المقدسة التي رسَّخها وأرساها عظماؤنا، وشهداؤنا، وأسرانا، وجرحانا، وضحايا المجازر في كل تاريخنا المعاصر.
يا زياد، يا أبا طارق نسألك وبعون الله أن تدعو لنا نحن الأحياء من عالمك الآخر في جنان الخلد، وأن تزرعَ فينا الأمل بإذن الله، وأن تمنحنا شيئاً من إيمانك، وإخلاصك، ووفائك، وحرصك على الشهادة طاهرَ القلب، ونظيفَ الكف، وتفكر بشعبك قبل أن تفكِّر بأُسرتك. وهكذا فإنك بوفائك، ونظافة كفك دخلتَ قلوبنا جميعاً.
الحاج رفعت شناعة
عضو المجلس الثوري
12-12-2020
google-playkhamsatmostaqltradent