recent
أخبار الساخنة

ــ حتى لا نضيِّع البوصلة ــ

الصفحة الرئيسية


القضية الوطنية للشعب الفلسطيني هي من أشدِّ وأعقد قضايا الشعوب قاطبةً، بدليل أن شعوب الأرض قد تحررت ونالت استقلالها، ورحل عنها الاستعمار الذي عاد إلى بلاده. ولا شك أن المطامع الصهيونية والاستعمارية في الأراضي الفلسطينية ليست خافية على أحد، فأرضنا هي الأرض المباركة، وأرض المعراج والأقصى، ومهد المسيح، والأرض التي صلى فيها كلُّ الأنبياء والرسل. والصهاينة زوراً وبهتاناً يدّعون أنها أرض الميعاد، ومصّرون على إقامة الدولة القومية اليهودية عليها.
إذاً صراعنا مع عدونا الصهيوني وأعوانه طويل وخطير ومعقَّد، وليس مجرد رحلة، أو جولة من العنف، فالصراع هو أن نكون أو لا نكون، وبشكل أوضح فإن العدو الصهيوني، وكما تثبت التجربة يمارس الآن كما مارس منذ البداية إرتكاب المجازر والمذابح وكل عمليات الاقتلاع والتهويد، والاستيطان، والتضييق، والاعتقال والتعذيب من أجل تفريغ الأرض من أصحابها، وبمعنى أوضح فإنَّ حلَّ الدولتين غير وارد في حساباتهم، وإذا قبلوا بوجودنا المؤقت فهو من أجل الاستخدام، والمناورة، والتهجير التدريجي،أو التذويب، بمعنى أوضح فإنَّ فكرة التعايش المستقبلي مع الشعب الفلسطيني غير واردة في حساباتهم، وهم كحركة صهيونية تعتمد على الدول الاستعمارية في تنفيذ مشاريعها طويلة الأمد، وهذا ما يحصل منذ العام 1897 في مؤتمر بازل الصهيوني مروراً بوعد بلفور. وأقصد هنا بأن ما نطرحه سياسياً ودولياً كحل للقضية الفلسطينية، وهو حل الدولتين، غير وراد في حسابات الكيان الصهيوني، فهو يريد دولة يهودية نقية على هذه الأرض العربية والإسلامية، وهو يرفض الشراكة مع أي طرف آخر على هذه الأرض. وهذا ما نراه على أرض الواقع خاصة في الضفة الغربية حيث الأقصى المبارك، وخليل الرحمن، وكنيسة المهد. وهذه حقيقة علمية يجب أن نتوقف أمامها، خاصة في ظل موازين القوى الدولية التي تُرجِّح الكفة لصالح الحركة الصهيونية.
من خلال هذا المنطلق، وهذه المفاهيم الصهيونية الراسخة في عقيدتهم يجب أن نحاكم الأمور، وأن نحدِّد مسارنا، ومسيرتنا، وأن لا نبني مواقف على أوهام أو على سراب. فليس هناك اليوم وعود مغرية، ولا تنازلات تستحق التفكير، ولا أي استعداد للتراجع عن خطوات تهويدية أو استيطانية فالكيان الصهيوني الذي يعيش نشوة الغرور العنصري، والسيطرة الواسعة، إضافة إلى احتضانه من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وأصدقائها الجدد من المطبِّعين، فهو غير معني بتقديم أية تنازلات، وكل ما لديه هو فتات من التسهيلات الشكلية وأننا جميعاً كفلسطينيين أرجلنا بين فَكَي كماشة الاحتلال.
وبناء على ما ورد ذكره فإن الاحتلال ليس عنده شيءٌ يقدمهُ لنا، وإنما هو يفكر بالاستحواذ على ما تبقى من الأرض، وتهجير وطرد من تبقى من الأهل، وتشريد وبعثرة أهالي بلدان وقرى القدس، ومخيماتها، من أجل تطهير القدس كمحافظة من العنصر العربي، والإطباق على الأقصى وتدميره لبناء الهيكل.
إنَّ العدو الصهيوني منشغلٌ اليوم في كيفية استثمار هذه المكاسب الجديدة على كافة الأصعدة، وهذه المكاسب الصهيونية عزَّزت الدور المميِّز لهذا الكيان المحتل الذي فرض حضوره في المنطقة، وهو ليس بحاجة إلى الشريك الفلسطيني طالما معه هذه الجوقة الدولية، التي تشكِّل غطاءً له، وبناءً على ما سبق فإنَّ الوحدة الوطنية وجوهرها المصالحة التي انطلقت هي قدرنا، وهي ينبوع الوفاء ومصدر القوة الأساسي لنا ولشعبنا الفلسطيني، ولذلك كان الرئيس أبو مازن أول من باركها، لأنها أعادت الروح والتفاؤل لشعبنا بعد حالة الإحباط، وجميع الإطراف تعاطت معها بايجابية مطلقة، لأننا نريد فلسطين التي تجمعنا، والرئيس وجدَ فيها المنقذ له كرئيس، وقد سعى لتحقيقها أكثر من أربعة عشر عاماً، وهذه حقيقة دامغة.
القيادة الفلسطينية عندما قررت وَقْفَ التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو قرار مُكْلف، خاصة أن الاحتلال يسيطر على كافة مصادر الحياة الاقتصادية، والتجاربة، والصحية، والأمنية شدد قبضته على كل الأراضي، ومارس كل أشكال القهر، والعبودية، والتنكيل، والانتقام، والاعتقال، وهذا ما ضيَّق الخناقَ أكثر فأكثر على الرئيس أبو مازن كصاحب قرار أول، وأيضاً على الحكومة، وعلى جميع الجهات الفلسطينية. 
وهذا ما قاد الرئيس وجعل الكثيرين يقيِّمون مدى جدوى استمرار وقف التنسيق الأمني كخطوة وطنية اتفق عليها الجميع، وتبعاتها ميدانياً وعملياً، وهذا أمرٌ طبيعي لدى أية قيادة بأن تعيد تقييم قراراتها وإجراء المعالجة.
لقد كان المتوقع عربياً ودولياً أن يتضاعف الدعمُ المالي والاقتصادي للشعب الفلسطيني، سواء أكان ذلك للسلطة الوطنية المعنية بإدارة الحياة اليومية لشعبنا في الداخل، أو للأنروا المعنية باللاجئين الفلسطينيين، والتي وصلت موازنتها إلى الإفلاس على طريق إقفالها لإنهاء وتصفية موضوع اللاجئين، وهذا الذي حصل مؤشِّر خطير جداً، بأن تقف الجهات المعنية بدعم شعبنا وقضيتنا موقفَ المتفرِّج على أصعب مأساة نعيشها.
وهذه الجائحة لا تقل أهمية عن جائحة كورونا التي دمَّرت المجتمع الفلسطيني كما دول العالم إقتصاديا.
ولتشديد الخناق أكثر على السلطة الوطنية وعلى القيادة الفلسطينية، فأنَّ البنوك والمصارف الأوروبية أوقفت تقديم أية قروض للجانب الفلسطيني، مما زاد الخناق على الرئيس أبو مازن المعني أولاً وأخيراً بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياة الشعب الفلسطيني.
هذه العوامل المتعددة والمدمِّرة للاقتصاد الفلسطيني، وللمجتمع الفلسطيني كانت تستهدف الرئيس أبو مازن صاحب القرار السياسي والسيادي، وهو بحكم موقعه مطلوبٌ منه شاء أو أبي أن يجد حلولاً ومخارج للأزمات المتلاحقة، فليس منطقيا أن يختنق هو، وان يختنقَ معه شعبُه، و لكن بات المطلوب أن يخرج من عنق الزجاجة لأنَّ الخيارات صعبة ومعقَّدة.
الرئيس يدرك الحقائق الكلية، ويعي جيداً كيف تفكر الحركةُ الصهيونية، لأنه نال شهادة الدكتوراة في مضامين الحركة الصهيونية من جامعات الاتحاد السوفياتي، ويعرف كلاً من الرئيس ترامب وبايدن اللذين ينتميان للحركة الصهيونية، كلاهما حريص على وجود الكيان الصهيوني، لكنه يدرك أيضاً أن بايدن لا يستطيع أن يتبنى صفقة القرن المدمِّرة، ومطلوب منه الحوار مع كل الأطراف الدولية بما في ذلك الفلسطينيين، والرئيس صاحب أهم وأعدل وأقدس قضية في العالم سيحاور الرئيس الجديد من موقع قوة الحق الفلسطيني، وشرعية الكفاح الفلسطيني.
من يكون في موقع القرار يزينُ الأمور بميزان الذهب، وهو يعرف حدود صلاحياته، والظروف المحيطة به ، والتعقيدات التي تمر بها التطورات السياسية تفرضُ عليه أحياناً وضعاً استثنائياً يكون فيه مضطراً للاجتهاد، وليس للانقلاب عندما تكون هناك مصلحة وطنية، فهو رجل مؤسسات، ويعرف بالتالي كيف يجب أن تؤخذ القرارات التي تستند إلى مجموعة من الانجازات والمواقف والحقائق، والوثائق التي يتم التوصل إليها في اللقاءات المتعددة.
كان من المفترض أن تُعطى الفرصة للرئيس كي يقول ما عنده من توضيحات وهذا واجبه، وحقُّ زملائه عليه، ولم يكن في يوم من الأيام متردداً في صراحته سواء مع الأخوة في الفصائل الفلسطينية، أو مع الأطر الحركية. فهو في الإشكالية الأخيرة التي سبَّبت إرباكاً هو أيضاً لم يقم بدعوة الأطر الفتحوية والتشاور معها، تماماً كما تمَّ مع الفصائل الفلسطينية، أي ليس هناك استهداف لفريق معيَّن، وبالتالي فإنَّ أية متغيِّرات أو تعديلات في القرارات فإنَّ الأطر الفلسطينية هي التي تقررها حتى تصبح نافذةً.
 نأمل من الجميع أن نتعامل بثقة متبادلة، وأن نعزِّز هذه الثقة على قاعدة إنجاز المصالحة الوطنية، والشراكة الوطنية، وتحصين القضية الفلسطينية، وتصعيد مقاومتنا للاحتلال.
فرغم مرور اثنين وسبعين عاماً على النكبة ، وخمسة وخمسين عاماً على إنطلاقة الثورة، فما زلنا في أول الطريق والمشوار طويل. 
الحاج رفعت شناعة 
    عضو المجلس الثوري
                                                                                   21/11/2020
 

google-playkhamsatmostaqltradent