كتب نائب وزير الخارجية الأميركي لورنس أيغلبرغر جملة موجزة على قصاصة صغيرة
و سلمها لمندوب دولته الذي قام بدوره بتحويل تلك الجملة الى مشروع قرار على الجمعية
العامة للأمم المتحدة . تم إقرار المشروع بتاريخ 16/12/1991و حمل الرقم 46/86
و قد نص القرار على : " ان الجمعية العامة تقرر الغاء الحكم الوارد في قرارها رقم 3379".
كان كيان الاحتلال قد اشترط أن يتم إلغاء القرار مقابل المشاركة في مؤتمر مدريد الذي
عقد بين 30 تشرين الاول و 1 تشرين الثاني عام 1991 . هذا المؤتمر الذي انعقد
خلال الازمة التي اعقبت غزو الكويت ، و قد جرى برعاية امريكية سوفييتية و حضرته
الدول العربية و كيان الاحتلال . و قد جرت خلال المؤتمر مفاوضات مباشرة بين الدول
العربية بما فيها سوريا و لبنان و الوفد الاردني - الفلسطيني المشترك مع الوفد الصهيوني .
و كانت امريكا و معها دول غربية قد تعهدت لدولة الاحتلال بالعمل على الغاء القرار الدولي ،
وقامت بالاتصال بالدول التي تسيطر على سياساتها من اجل تأمين الاغلبية حتى يتم تمرير
القرار . وفعلا تحقق لكيان الاحتلال ما أراد ، حيث صوتت 111 دولة لمصلحة
المشروع الامريكي ، و عارضته 25 دولة ، بينها 15 دولة عربية فقط من
أصل 21 دولة من دول الجامعة العربية ! و امتنعت 13 دولة عن التصويت من
أصل 166 من مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة آنذاك . اما الدول العربية التي لم
تشارك بالتصويت هي : البحرين، الكويت، مصر، المغرب، سلطنة عمان، جيبوتي،
تونس ، بالاضافة الى جزر القمر التي لم تكن عضوا في الجامعة العربية ، فلقد انضمت
في 20 تشرين الثاني عام 1993. و كانت الجمعية العامة قد اصدرت في دورتها الثلاثين
التي عقدت بتاريخ 10 تشرين الثاني 1975 قرارا حمل الرقم 3379 وافقت عليه
72 دولة مقابل رفض 35 دولة و امتناع 32 دولة عن التصويت . و قد اكد القرار على
المبدأ القائل بأن : " التعاون والسلم الدوليين يتطلبان تحقيق التحرر والاستقلال القوميين ،
وإزالة الاستعمار والاستعمار الجديد، والاحتلال الأجنبي، والصهيونية، والفصل
العنصري ، والتمييز العنصري بجميع أشكاله ، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب
وحقها في تقرير المصير. و وافق القرار على مقررات منظمة الوحدة الافريقية في آب
1975 الذي رأى : " أن النظام العنصري الحاكم في فلسطين المحتلة والنظامين العنصريين
الحاكمين في زيمبابوي وافريقيا الجنوبية ترجع إلى أصل استعماري مشترك ، وتشكل كياناً
كلياً، ولها هيكل عنصري واحد، وترتبط ارتباطاً عضوياً في سياساتها الرامية إلى إهدار
كرامة الإنسان وحرمته " . و تبنى القرار مقررات مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز
المنعقد بليما، في الفترة من 25 إلى 30 آب/أغسطس 1975، الذي ادان الصهيونية
بشدة بوصفها تهديداً للسلم والأمن العالميين ، وطلب من جميع البلدان مقاومة هذه الأيديولوجية
العنصرية . و اعتبرت أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري " .
لقد بين القرار 3379 حقيقة الايديولوجيا الصهيونية العنصرية و بالتالي حقيقة الكيان العنصري
العدواني الذي انشئ على اساس تلك الايديولوجيا . و اثبتت الممارسات الاجرامية لكيان
الاحتلال على تلك الحقيقة العنصرية و ذلك عبر المجازر و اعمال الارهاب من قتل و تنكيل و
اعتقال و ابعاد و هدم و تهويد منذ اقامة الكيان العنصري و الى الان . و ما زال كيان العدو
يطالب الدول العربية و غير العربية للاعتراف بكيانهم ككيان يهودي ، و هو ما يعني بان
كل من هو غير يهودي يعتبر دخيل على الكيان و هذا يهدد كافة الفلسطينيين الذين بقوا في
اراضيهم عام 48 بالتهجير الجماعي ، و ايضا يقضي على حق العودة الذي طالبت به السلطة
الفلسطينية في مفاوضاتها مع القادة الصهاينة ، كأحد بنود قضايا الحل النهائي . و لقد
اقامت سلطات الاحتلال جدار العزل و عشرات الحواجز على الطرقات في مناطق
الضفة الغربية و قطاع غزة مما حول المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 الى
معتقلات جماعية ، بالاضافة لاعمال التهويد المبرمجة و نهب الاراضي ، و الاعتداءات
المتكررة على المقدسات الاسلامية بما فيها المسجد الاقصى المبارك . و يقع على
عاتق العالم الحر ان يعيد ادراج الصهيونية و ما تمثله من كيان احتلالي عنصري على
القائمة العنصرية كونها تمثل اسوأ عنصرية عرفها الانسان ، و يجب علينا نحن قبل
الجميع ان نوثق الجرائم العنصرية و نجعلها دليلا على ادانة الصهاينة ، و نعيد ادراج
هذا الكيان الاحتلالي الاستيطاني على قائمة الدول الارهابية ، و استصدار قرار جديد
من الجمعية العامة يلغي القرار الامريكي الذي ابطل صفة العنصرية عن الصهيونية .
ماهر الصديق