recent
أخبار الساخنة

" التطبيع" وفاء بهاني

الصفحة الرئيسية





-أمي! 
أخبرتك للمرة الألف لن أقيم بينهم ثم أعامل كأني غريبة عنهم!
ليس ذنبي أن أحضرتمونا إلى هنا!
انظري للشارع العالم كله يخرج ليلاً، كل صديقاتي يذهبن للتخيم ويسافرن ويجبن العالم وأنت لا تزالين عالقة في الفكر العربي الرجعي!
سيزورني صد يقاتي الليلة وسيحضر جوّان لا يمكنني أن أتعامل معه بالقسوة التي تريدينها، متحول جنسي أو غيره هذا لا يعنيني، المهم أنه الآن بصورة أنثى!
مادام لم يتعدى حدوده لا أفهم أنا أين المشكلة!

الأم وهي تشرب القهوة ببرود: لغرفتك..
أغلقي الباب على نفسك جيداً، وادفني رأسك بالوسادة ثم ابكِ قدرما شئتِ..
رفعت نظرها نحوها: لن يحضر للبيت أحد، ولن تخرجي كذلك من البيت..
ناوليني هاتفك..

الفتاة وهي تصرخ ووجهها محمر: أمي!!
لقد وعدتهم!

الأم وهي تمد يدها لتناولها الهاتف: لا بأس العرب الرجعيون أمثالنا، يحبون أن يخلفوا بوعودهم!

اعطني الهاتف!

الفتاة هي تضرب بقدمها الأرض وتبكي وضعته بيدها وذهبت تجري لغرفتها، ثم انفجرت بكاءً..

بعد عدة ساعات دخلت على غرفة ابنتها فوجدتها نائمة: تسنيم.. تسنيم..
- ماذا؟
- تعالي لغرفة الجلوس لقد أعددت كعكة الأناناس وفنجاني قهوة..
- لكن!..
رفعت رأسها وأخذت تبكي بحرقة وهي تغطي وجهها بكلتا يديها

ابتسمت لها أمها ومسحت على رأسها قائلة: لا تهون على أمك دمعتك!
تعالي لنتحدث بالخارج..
ضمت الابنة امها ومسحت دموعها وهي تقول: أشعر بالنار تسري داخلي والله!
فقالت الأم: لنتناقش إذن بالأمر حتى تبرد هذي النار في صدرينا..

تسحبت الأم للخارج ونهضت الفتاة ولا تزال الدموع تغصّ بحنجرتها، بكت قليلاً ثم غسلت وجهها بالماء وخرجت لأمها..
كانت أمها تجلس على شرفة المنزل فدخل والدها مع قدوم الفتاة، قالت الأم مبتسمة: أهلاً لقد جئت بموعدك، القهوة جاهزة!
سلّم عليها وسلّمت عليه ابنته، فقال وهو يضم ابنته: ما بها تسنيم! مالذي أبكاكِ هكذا؟
قالت الأم مقاطعة: اجلسا على الشرفة تحدثا حتى أعدّ لي فنجانا جديداً..

جلس الوالد وابنته، فأخذت البنت تسرد ما حدث لوالدها، فقال والدها مهدئا لها إذ بدأت بالبكاء: لا تقلقي سأقنعها أنا بالأمر!
لا تزال والدتك تصرُّ أن لا شيء يجب أن يتغير في تربيتكم، ثم عليكِ أن تعذريها، بالنهاية هي لا تزال في هذا البيت لم تختلط مثلنا بالعالم الخارجي!
لا تعرف أن هؤلاء النماذج في كل مكانٍ هنا..
الفتاة: يا أبي، لقد أخذت مني الهاتف، ولم تسمح لي بإخبارهم بأي شيء!
 وحتى إن سمحت لي الآن فلا فائدة، لا بد أنهم لن يحضروا، أنا لا أدري أين أذهب بوجهي الآن منهم!

حضرت الأم، فصمتت الفتاة، وربت والدها على يدها، لتطمئن!

قالت الأم متنهدة: لماذا توقفتِ أكملي شكواك..

قال الأب : ميادة الأمر لا يستحق كل هذا التعقيد!
وضع يده فوق يدها وقال: صدقيني هذا الأمر هنا عادي جداً، لا علاقة لنا نحن بطريقة حياتهم، إن كانوا بوذيين أو مسلمين، متحولين جنسيا أو حتى مثليين هذه الأمور باتت أسخف من أن نضعها عقبة أمامنا، هم بالنهاية بشر مثلنا، يستحقون التعامل باحترام..

كانت تنظر بعيني زوجها والدموع تترتب في محجرها، فلما أنهى كلامه أنزلت عينها للفنجان ولم تعقب..
فغمز الوالد ابنته وتابع: انظري لها، مالذنب الذي اقترفته لتبكيها هكذا!
رفعت حاجبيها وقالت: إن كان الأمر لديكما يقاس بالبكاء، فها هي الدموع تملأ ضفاف صدري، لكنها دموع قهر!
نزلت دمعة من عينها فمسحتها سريعاً ثم رشفت من قهوتها وقالت وهي تتنفس الصعداء: 
حسنا، لنتحدث الآن بجدية..
اسمعيني يا ابنتي، لقد اعتدت أن آمركِ واعتدتِ أن تنفذي، لكن فكرة الأمر هذي لتكون مجدية عليها أن تكون ممن نراهم على حق!
تماماً كما يحدث حين نفكر في فعلٍ ما، ثم يردعنا عنه أمر من الله أو نهي عنه، فلا ينبغي لنا مطلقاً أن نفتح عقلنا ونحاوره ليمنحنا الحكم على هذا أو ذاك؛ فمثلاً أقول الخمر حرام لكنه حرام لأنه يذهب العقل، إذن لو شربنا القليل منه لا بأس به!
ننفذ..سمعا وطاعة..
 وأقصى ما يمكننا فعله بعد أن ننفذ، أن نتفكر بعظمة هذه الحدود التي رسمها الله لنا في كل شيء، لنكون نحن الأقل ضرراً في هذا العالم!
صمتت قليلاً ثم أتبعت:
اليوم الإمارات أعلنت السلم مع إسرائيل!
أعلنته!
لكن قبل أن يتجرأوا على فعل ذلك علانية، فعلوا الكثير من الخطوات المؤثرة، تحركوا ببطء شديد زيارات مع رئيس الولايات المتحدة، إهداءات، إعلام، أخبار، مصالح مشتركة..
وفي كل خطوة كانت تحدث ضجّة، لكنهم كانوا على يقين أن كل شيء سيصبح بالنهاية عادي بالنسبة لنا!

الأمر سهل، سهل جداً..
بعض الخطوات البسيطة ليضعوا في كل رأس فكرة أن كل شيء عادي، طبيعي، لا مشكلة فيه!

وهكذا تظاهروا بداية بأنهم يطمحون لفكِّ التعصب المريض، فقالوا لا فرق بين أحد الإنسانية هي المفصل بين الشعوب!

ثم بدأوا بفكرة احترام الآخر، كونه مختلفاً لا يعني أنه على خطأ!

ثم.. تقبّل الآخر.. التعددية الفكرية .. النسبية
وتعمقوا في إثبات فكرة
أن ما تراه صوابا قد يراه الآخر خاطئاً وما تراه خاطئاً قد يراه الآخر صوابا..
وهكذا..
 تصبح أنت لا شيء، أحكامك لا تعني أي شيء، أفكارك لا تعني أي شيء.

أأصبحت إمعة!
لا تحمل في جعبتك هوية ما! لا ترتدي أنتِ ك مسلمة لباساً ما! لا معتقدات ولا مبادئ ولا مسلمات ثابتة وراسخة تناقشي بناء عليها!
الآن أصبحنا قوما واحدا لا فرق بيننا..
الآن أصبحتِ جزءًا من المعادلة الشفافة، ك رقم واحدٍ في الضرب
نقول لك مثليين تقولين شأنهم! لا علاقة لنا بهم!
متحولين جنسياً! شأنهم!
ما يهمني أخلاقهم وتعاملهم!

تماماً تماماً ك إسرائيل اليوم!
الإمارات بريئة إنها تتعاقد مع بشر عاديين
اليهود مساكين لماذا نقوم بنبذهم!
نفتح لهم بيوتنا ومساكننا، وعقولنا ليفعلوا بها ما شاءوا
وحين تنعكس الآية وندوس بساطهم
كما يحدث لنا اليوم هنا وهناك، وفي كل مكان حين يعلمون أن ديانتنا الإسلام، يختلف الأمر!
هذه الأفكار لنا لنتعامل معهم بها، أما حين تكون المعاملة لنا فلا بأس لأننا عرب، لأننا مسلمين صحيح!

نحن العرب رجعيين
ولا مكان بيننا لأشباه الرجال، ولا للنساء المسترجلات
نحن لا نهين أحد لكننا نضع كل ذي مقام في مقامه، الخنازير مكانها الوحل، والدواجن بالأقفاص والنسور بالسماء!

هذه ليست تفرقة وليس تعصبا، إنما ارتقاء
يمكن لبلال العبد الحبشي أن يجالس النبي وأصحابه، ولكن لا يمكن لسيد ذو جاه ومال قد ثقبت مروءته أن يفعل! 
لمن عرف كاذبا، سارقا، متلونا..
تقبل الشهادة من رجل بسيط، وتركن شهادة أعظم تاجر وملّاك إن ثقبت مروءته، فلم يزوجوه ولم يقبلوه بينهم..
فما بالك بمن باع مروءته كلها!
أحاسب أخيك إن ارتدى خاتما مذهباً، أنزل خصر بنطاله، حفف وجهه، كي يتعلم معنى الرجولة، ثم نرحب برجل قد حوّل نفسه لامرأة ونخشى على شعوره!

صمتت قليلاً ثم قالت: ثمة قصيدة للشاعر الراحل أمل دنقل يقول بها
لا تصالح !

ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما .. 

هل ترى ..؟

هي أشياءُ لا تشترى .

هذا تماماً ما أريدك أن تعتنقيه دينا ومبدأ لكِ..
لا ترافقي أحد، من أراد رفقتك فليرتق ليبلغك!
لا تكوني مثلهم، ولا تكوني مختلفة عنهم، كوني ثابتة مثّلي هويتك فقط!
أنا..
عربية..مسلمة.. أنثى.. شرقية
أنا لا أفعل كذا ولا أقبل بكذا
لدي وقت مقدس، عبادة مقدسة، حرمات وضوابط!
تطرفي في عزة نفسك ولا تقبلي بأن تُجَنسي لجنسيتهم!
أنت لستِ مثلهم، هم.. لن يروكِ مثلهم!
كوني واثقة جداً أن لا عزة لمن قلّد وتقبل ورضي لنفسه الدنية!

كوني غريبة الأطوار، معقدة لا يهم
دعيهم يذرونك وحدك، ارفضيهم، وأشعريهم أنك من تفعلين ذلك..

لم أسمح لك اليوم، وسأمنعك غداً لكنني لست باقية لكِ!
احترمي الآخر، لأن دينك أمركِ بذلك لا لأنهم قد نجحوا بتلقينك!
ناقشيهم باللتي هي أحسن، تعلمي منهم وليكون طلب العلم سعيك، ولكن دعِ أخلاقك وقيمك نابعة من الدين لا من فكرة الإنسانية
لا تستبدلي مصطلحاتك لمصطلحاتهم، لا تتطبعي بطريقتهم في الكلام..
لستِ مثلهم..
وهي تصرُّ على الحروف: أنتِ ..لكِ أمٌ.. تبكي..
وهي تبلع دمعتها:
لو رأتك تبيعين هذا الدين وهذه العروبة وتلحقين بهم!

وضعت الهاتف على الطاولة أمامها ونهضت قائلة بصوت مختنق:
أمنعك مجدداً، لن يحضروا للبيت ما دمت حيّة..
لكن يمكنك أن تصلي لله ليعجل لك بالخلاص من هذه السلطة..

دخلت لغرفتها فلحقها زوجها، لما نظرت له رفعت كتفيها بقلة حيلة وقالت: أردت ألا أبدو صارمة، لكنني لم أستطع!

ضحك زوجها وضمها إليه قائلاً: أتعرفين يا ميادة..
في كل مرة سأنظر بها لأولادي سأشعر بالفخر لأنك أمهم!
أدمعت عيناها فمسح دموعها ممازحًا: كم مرة أخبرتك أن عليكي إخباري بم عليّ قوله!
ضحكت، فضحك معها وهو يقول: دائماً تضعيني في موقف محرج، آتي ك البطل الذي سيقنع أمهم، فتسكتنا أمهم جميعاً دفعة واحدة..
ما هذا!
ضحكت وقبلته قائلة: أمُهم هكذا لأنك بجوارها عزيزي..
فقال: جاملي جاملي..
فقالت: قد يصدمك ما سأقوله لكن صدقني وجودك أكبر تأثير عليهم مني..
فأنت تحمل فكر المجتمع، قريب من تفكيرهم ونظرتهم
ثم حين أناقشكم تتنازل عن فكرة أنك على صواب أمامهم!
إنك تعلمهم، أننا قد نكبر وتسرقنا الحياة، وتسرقنا فكرة التيار، لكننا بالنهاية قادرين دوماً على تعلم شيء جديد، على الانصات للحق، وإسقاط ما نتعلمه في حياتنا..
حين أرى أولادي سأشعر بالفخر دوماً لأنك كنت رجلاً بمعنى الكلمة، ولم تعاند يوماً قول الحق، إن كان على لسان زوجتك أو حتى طفلك!
أنت أعظم بكثير مم تتصور! بلا أدنى مجاملة!
google-playkhamsatmostaqltradent