recent
أخبار الساخنة

عام هجري جديد بقلم الإعلامية وفاء بهاني

الصفحة الرئيسية



في كل عام يزورنا هذا التاريخ المتقد بحادثة هجرة النبي وأصحابه من مكة لأذى قريش وأهلها له، ولتكون نصرة النبي والدين بعدها بين أهل المدينة الذين لا قرابة بينهم وبين النبي، والذين لم يعاشروه كما عاشره قومه!

لم يكن الأمر سهلاً على النبي وأصحابه أن يتركوا وطنهم وأهلهم ومالهم، لكن أذية الأهل كانت شديدة الوطأة على قلوبهم..
وهنا أستذكر ما قاله النبي ﷺ مودعاً مكة لما خرج منها: (إني لأخرَج منك، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت!)

كان وجود النبي بين المهاجرين والصدق والإخلاص الحقيقي كافياً في قلوب المؤمنين ليتركوا كل شيء في أوطانهم ليظفروا بدينهم ورفقة نبيهم، وكان يقين النبي بالله بأنه معه وبأنه ناصره ولو بعد حين كافياً، ليتحمل النبي كل ما تحمله من أذى، ورغم ذلك فكانت صحبة من أحبوه بالله حقاً خير عكاز له وخير مسكنٍ لآلامه وحزنه، وهكذا قال صلى الله عليه وسلم للصحابة: (إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها)، فخرج الصحابة ليلا خفية أرسالا (جماعات) وكان أول مهاجر قدم المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد...

أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه (والذي كان من ابتدأ التقييم التاريخي الهجري عند المسلمين، وأول من اتخذه تاريخا بعدما استشار الصحابة في ذلك) فقد  كان مثالاً للشجاعة إذ هاجر مجاهرا في وضح النهار فقد طاف بالكعبة وصلى خلف مقام إبراهيم عليه السلام وتحدى الكفار قائلا: [شاهت الوجوه، إني مهاجر إلى المدينة، فمن يرد أن تبكي أمه، ويتيتم أولاده، وتترمل زوجته، فليتبعني خلف هذا الوادي].

 
وهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الذي كان مثالاً حقيقياً للصدق والتضحية فقد نام في فراش النبي ليقوم بتمويه الكفار الذين أرادوا أن يكيدوا بالنبي ويقتلوه، وفيم بعد ليرد ودائع النبي لأصحابها!

وهكذا هاجر جميع الصحابة ولم يبق في مكة إلا الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه وعائلتاهما- فحين استأذن أبو بكر النبي في الهجرة قال له صلى الله عليه وسلم: (لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبًا).
 ثم أذن الله تعالى لرسوله الكريم أن يهاجر فجاء إلى أبي بكر فقال له: (أذن لي ربي بالهجرة)، فقال له أبو بكر: [الصحبة يا رسول الله] فرد عليه: (الصحبة!)، فقالت عائشة رضي الله عنها: فواللهِ ما شَعُرتُ قطُّ قبل ذلك اليوم أنَّ أحدًا يَبكي مِن الفرَح حتى رأيتُ أبا بكر يَبكي يومئذٍ!

وهكذا كانت ابنة أبا بكر أسماء خير من أعانت أبيها وصاحبه، إذ كانت تحمل لهما الزاد وهما بغار ثور، رغم أنها كانت حاملا في شهرها السابع إلا أنها تكبدت المشاق سائرة على قدميها، ولم تدع أحداً يشك في مساهمتها في تيسير الهجرة.

وكذلك ابن أبا بكر عبد الله الذي تولى مهمة الصعود كل ليلة إلى غار ثور لنقل أخبار مكة إلى النبي ﷺ.
 ‏‏كما ورد عَنْ عَائِشَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ،‏ ‏زَوْجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏قَالَتْ : ... ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏وَأَبُو بَكْرٍ ‏‏بِغَارٍ فِي ‏‏جَبَلِ ثَوْرٍ ،‏‏ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ،‏ ‏وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ ( أي حاذق سريع الفهم ) ،‏ ‏فَيُدْلِجُ ‏‏مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ ( أي يخرج من عندهما آخر الليل ) فَيُصْبِحُ مَعَ ‏‏قُرَيْشٍ ‏ ‏بِمَكَّةَ ‏‏كَبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا ‏‏يُكْتَادَانِ ‏بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ . [رواه البخاري]

وأشد المواقف عظمة حين وصل المشركون إلى فم غار ثور حيث كان يتخفى الرسول ﷺ  وصاحبه، بعد أن اجتهد واتخذ جميع الأسباب والاحتياطيات للملاذ، خاف أَبِي بَكْرٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏وقَالَ للبني ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا . فَقَالَ ‏‏: مَا ظَنُّكَ يَا ‏‏ أَبَا بَكْرٍ ‏‏بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا . (رواه البخاري)  وهنا أنزل الله سكينته عليهما، في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة، الآية 40].

فأتم الله عليهما بالستر، وأمدّهما بالسكينة والرعاية، حتى انقضى الأمر و بعد أربعة أيام وصل الرسول ﷺ إلى المدينة المنورة بيوم الخميس،
فخرج الأنصار مستقبلين الرسول ﷺ مرددين النشيد الخالد: "طلع البدر علينا"
 وبنيَّ أول مسجد في الإسلام قباء الذي شرفه الله بالذكر في قرآنه: ﴿...لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [سورة التوبة، الآية 108].

لا تزال لدي قناعة أن من لم يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال لا يعلم شيئاً عن الدين، الدين الإسلامي أكثر بكثير من أحكام نطبقها، ومسائل فقهية نعود بها بالقياس والبحث في الدلائل، الدين مفهوم عظيم أسلوب حياة وتفكير وشعور!

البارحة تهجر أهل سورية، وما قبلهم أهل العراق وقبلهم أهل غزة، لكن قلة من عملوا كما الأنصار، قلة قليلة جداً منا من تعرف معنى الإسلام بحق وتعرف كيف تصير البيوت للمهاجرين، ويقاسم المال والفراش والحياة والعمل بين من أنعم الله عليه بأن يظل عزيزاً ببيته وبين من اضطر للهجرة قسراً من أذى أبناء وطنه!

في ذكرى الهجرة تضيع الكلمات بين عتب على أفعال اقترفتموها في حق غريب يقيم في بلادكم، وبين أفعال تفعلونها اليوم وكلمات تلقونها في كل مكان غير آبهين بقلوب استنزفتها فكرة الغربة، الغربة عن الوطن الذي كان لهم، والغربة في أرض مكثوا بها لينجوا فرجمهم أهلها بأقسى أنواع النظرات والكلمات والأفعال!

لكن لربما تكون هذه الكلمات تذكرة، والذكرى تنفع المؤمنين
تلطفوا بكل غريب في أرضكم ومهما حدث دعوا الإحسان يملأ أكفكم وألسنتكم، فإن شتم أحدهم بلادكم وإن سبكم وسخر منكم، قابلوه بالإحسان فلعله قد ذاق ممن قبلكم أذية جعلته يراكم بصورة ما، لكننا دائماً قادرين على قلب الموازين بالتذكرة!
كلنا عرب، كلنا إخوة، ولا خير في أمة ذل ضعيفها
تناصروا لبعضكم، لا على بعضكم
ولا تدعوا نعرات الجاهلية والتعصب للعرق أو للدين أو للفكر ينهش بنيانكم..
فكما قال نبينا ﷺ:
« مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى »
[رواه البخاري ومسلم]

وأختتم قولي هذا بالصلاة على النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا "
google-playkhamsatmostaqltradent