recent
أخبار الساخنة

*استحداث " بنك الدم " مطلب فلسطيني ملح ، والحل في الجيب* ‏

الصفحة الرئيسية




تطرقت في المقال السابق الى الواقع الصحي في المخيمات الفلسطينية وحاولت مقاربته بشكل مختزل وعرض بعض المشكلات الصحية التي تعاني منها المخيمات . 
والتي لم يكن ليسمح بعرضها دفعة واحدة ، وتحدثنا ايضا عن ماهية دور القطاع الصحي وادائه ومقدرته على الاستجابة العلاجية للمرضى الفلسطينيين ، ولان هذا الموضوع على قدر عالي من الاهمية ويشكل مساس بحياة البشر بشكل جوهري ، قررت ان اخصص جزءا متمما لاستكمال النقاش في هذا الموضوع ، لعلها تساهم ولو بشكل متواضع في خلق نقاش وتفاعل ايجابي في الفضاء العام المحلي الفلسطيني ، للخروج ببلورة افكار يؤسس عليها لاحقا حول كيفية تطوير اليات و ادوات البنية الطبية والعمل على تمكين القطاع الصحي للارتقاء بمستوى خدماته بشكل فعال على اكثر من صعيد. 
ولكي لا نتورط في التنظير النخبوي ، ونقع في المزايدات الكلامية الغير مفيدة ، فجميعنا يعلم ان المشاكل والتحديات التي تواجه هذا القطاع ، هي اكبر بكثير من الإمكانيات المتوفرة لجهة تطويره وتحسين خدماته ،وهي تحتاج في الحقيقة الى رعاية حكومية" دولاتية " اذا صح التعبير ، اذا هذا النقاش منطلق بالأساس من أن الإمكانيات المتوفرة في هذا المجال هي متواضعة جدا، وعلى هذه الأرضية سنبني رؤيتنا و مقترحاتنا المتواضعة . ولن نطلب بأكثر من المستطاع وكما يقول المثل البدوي ( الجود من الموجود ) ومن خلال هذا النقاش سنركز على تطوير " آليات العمل فقط " التي ربما ستفتح الافاق لمضمون وفكرة هذا المقال ، ومرة اخرى لكي لا يكون الهدف هنا توجيه الإتهام لأحد بالتقصير او التقاعس ، مع التاكيد على حق النقد المقدس وحرية الراي ، ومن موقع الحرص و روح المبادرة والتعاون والمشاركة لنساهم جميعنا في اجتراح الحلول البناءة التطويرية ، فهذه المسؤولية ليست فردية ولا جهوية مع التأكيد على إحترام خبرة أهل الإختصاص المشرفين على هذا القطاع . 
ولكي ندخل في الجانب العملي ، نتسائل ماالذي يمنع من استحداث هذا القسم " بنك الدم " في مستشفى الهمشري مثلا ؟ ، فالمعدات الخاصة بنقل الدم ومخزن الدم متوفرة مع الحاجة الى ادوات حديثة نسبيا 
اذا اين المشكلة تكمن ؟ فالجانب اللوجستي من مبنى و معدات وكادر طبي موجودة سلفا ، اذا المشكلة تكمن تماما في الية العمل التي تفتقر الإستراتيجية بعيدة المدى . 
فالآلية الحالية لنقل الدم في المختبر الخاص بمشفى الهمشري على سبيل المثال لا الحصر ، غير فعالة و تقتصر فقط على المساهمة الآنية للمتبرعين بالدم من جانب المريض لإجراء طبي محدود ( عملية جراحية ، حادث سير ، اصابة بطلق ناري ... الخ ) اي معظم الحالات الإسعافية بشكل خاص التي تحتاج الى دم طازج ( فريش ) ، وفي حالات كثيرة تكون حالة المريض حرجة وبحاجة ماسة الى دم ، ويجلس المريض ينزف ماتبقى من دماء يختزنها في جسده ، في انتظار تلبية النداءات عبر مكبرات الصوت في المساجد داخل المخيمات او من خلال صلات القربى والعلاقات الشخصية او عبر مواقع التواصل الإجتماعي ، ومن البديهي أن هذه الحالات الطارئة في غالبية الأحيان تكون في حالة خطرة وعامل الوقت والإنتظار لا يساعدها كثيرا ،ريثما يتم تأمين وتدبير متبرعين من الجوار او المخيمات الاخرى . وفي أبسط الأحوال يحتاج تأمين اربع وحدات لفصيلة دم من النوع العادي الى ساعتين على اقل تقدير . 
وهذا المريض يعتبر محظوظا مقارنة بمريض فصيلة دمه نادرة ،فربما يحتاج الى اكثر من عشرة ساعات لتأمينها ويبقى هذا مرهون بمستوى إصابة وحاجة المريض الى نقل الدم الفوري .
وفي هذه الحالة تكون حياة المريض على المحك وربما يفارق الحياة لأنه يحمل فصيلة دم نادرة ، وهكذا ببساطة المسألة تجري بشكل اعتيادي ويومي ، اذ ان هناك حالة استسهال واستهتار غير مبررة بأرواح الناس ، ولكي لايفهم احد انه المقصود بعينه ، فالكلام موجه لكل من يعتبر انه معني بهذا الشأن مع مطلق الإحترام للجميع . 
على اي حال نحن هنا لتقديم رؤية احادية الجانب فقط ، وماتبقى متروك لأصحاب الإختصاص في هذا المجال . 
وكما قلنا انفا المشكلة تكمن في آليات العمل الحالية التي تحتاج الى تطوير لجهة تخزين الدم بكميات اكبر لتستطيع تلبية الطلب اليومي من الدم ، و يكون لديها مخزون استراتيجي ثابت ومتحرك في الحالات الطارئة والطبيعية ، وسد هذه الثغرة نهائيا بشكل كامل ، التي ترمى المسؤولية  فيها على عاتق المريض . 
و هنا نتقدم بكتابة بعض المقترحات المبدائية التي ليست نهائية ومن الممكن تصويبها وتطويرها من خلال النقاش والدراسة .
تقوم المشافي الفلسطينية باعلان رسمي بان كل من يتبرع بالدم يحصل بموجبه على ايصال رسمي من المشفى ، يخول صاحبه عند الحاجة الى نقل دم لتقديم الإيصال للمشفى، ليمنح بشكل مجاني مهما كانت حاجته للدم، ولن يحتاج اي مريض اكثر من 10 وحدات دم في اكثر الاحوال ، 
كما يتم تكليف العاملين والمتفرغين في جميع الدوائر الإدارية والعسكرية بما فيه موظفي السفارة الفلسطينية والقوة الامنية المشتركة التي تتبع منظمة التحرير الفلسطينية بالاضافة الى مختلف عناصر التنظيمات والفصائل المشاركة في منظمة التحرير عند التفريغ الوظيفي في المنظمة بالتبرع بالدم لمشافي المنظمة ( الهلال الاحمر الفلسطيني على اعتباره يتبع للمنظمة ) بشكل الزامي وفي حال عدم الاستجابة لايوطن راتبه في البنك حتى ياتي بايصال من المشفى بتبرعه بالدم يقدم الى ادارته ، وهذه الالية ممكنة ومتاحة " وهي باليد " 
وكما يتم دعوة واشراك وكالة الاونروا للتعاون ايضا في نفس السياق بتكليف موظفيها الجدد المياومين و اصحاب العقود السنوية بالزامهم بالتبرع بالدم في احد المستشفيات الفلسطينية ولايعتبر الملف الوظيفي للموظف مكتمل حتى يقدم ايصال التبرع بالدم للمعنيين في عمله . 
كما يتم التواصل مع المؤسسات الاجتماعية بمختلف فئاتها العاملة في الوسط الفلسطيني باتخاذ نفس الاجراءات عند التوظيف لموظفين جدد .
بهذه الإلية نعتقد اننا نستطيع الوصول الى حل عملي يلبي احتياجات المرضى في جانب مهم من توفير الخدمات الطبية بشكل فعال ، كما لا ننسى ان هذه الآلية تحمل في طياتها التكافل الإنساني والإجتماعي والذي نحن اليوم بأمس الحاجة له . 
والجدير ذكره ان الرجل العادي الذي يمتلك صحة بدنية سليمة ، ولا يعاني من امراض مزمنة . يستطيع التبرع بالدم كل 12 اسبوعا وبالنسبة للمراة كل 16 اسبوعا بحسب المعايير الطبية التقليدية للتبرع بالدم . 
وخناما نقول ان هدف المقال لم يكن الا لتصويب وتطوير الواقع الصحي في المخيمات والتمكن من الوصول الى خدمات طبية مقبولة نسبيا ، 
وان هذا الراي لايمثل كل الحقيقة بل هو مقاربة متواضعة وغير نهائية وقابلة للتطوير والإنجاز اذا تعاطينا بجدية ومسؤولية كاملة لتحقيقها . 

*ناشط في مجال حقوق الانسان* 
*طاهر ابو حازم*
google-playkhamsatmostaqltradent