recent
أخبار الساخنة

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بين مطرقة "اللجوء".. وسندان "كورونا"

الصفحة الرئيسية



بقلم: الدكتور قاسم سعد
عاصر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان انواعا متعددة من التحديات منذ اللجوء عام ١٩٤٨ وكل تحدي له طعم ونكهة مختلفة، والحديث هنا ليس عن نوع من الطعام، بل عن انواع من الغذاء العنصري اللاانساني والبعيد كلياً عن الانسنة. المرحلة الاولى، بدايتها كانت بإقتلاعهم من ترابهم الاساس حيث مضوا الى منفاهم القسري، معتقدين انها فترة ستكون بضيافة اخوتهم من أمتهم العربية. غالباً ما يكون طعم الاقتلاع على يد العدو أهون ومستساغ على الصعيد الفكري والوعي النفسي كون هذا العدو كان ولا يزال جزءاً من ثقافة نتربى عليها .
وعمل اللاجئون على مقاومة هذا العدو الصهيوني في بلدان لجوئهم عبر ابتكار اليات نضالية كثيرة حتى توجت بالكفاح المسلح الذي كان الالية الجديدة المقتبسة عن كثير من الشعوب المقهورة عبر الكرة الارضية .
مرحلة اللجوء، تخطت هذه المرحلة كل ما هو متعارف عليه في التاريخ الانساني رغم انني واحد من المشككين بصدقية انسانية التاريخ لانه لسبب بسيط ان ذلك التاريخ مكتوب بلغة وقلم المنتصرين فيه، اذا هو يظهر جانبا واحدا من الحقيقة بعيون شخصية البطل .
هذه الفترة بدأت شخصية اللجوء تنحو نحو الانكماش الداخلي والانا الفردي وتكوين مفهوم نضالي (أني) يقوم على نظرية انا الاقوى وفائض قوة استخدم في غير مكانه، وهذا كان مساراً طبيعياً لنمو هذه الانا والتي تتغذى على ممارسات الاجحاف والتدجين والاذلال التي مورست على اللاجئ.
امتدت تلك الفترة سنوات طوال ولم تكتفي تلك الشخصية بالتأثيرات السلبية عليها في مجتمع اللجوء بل تأثرت بالعامل النضالي الداخلي والذي تجاذبته المصلحة الفردية والحزبية لمكونات النضال .
يقول الدكتور مصطفى محمود في كتاب التخلف الاجتماعي، مدخل الى سيكولوجية الانسان المقهور(بمقدار ما يبخس الإنسان المقهور ويفرض عليه الانحطاط والشقاء، يصبح اتكاليا مستكينا مستضعفا وهذا بدوره يؤكد في ذهن المتسلط أسطورة تفوقه وخرافة غبائه وعدم آدمية الإنسان المستضعف).
لقد تشاركت تلك الفترة القوى النضالية الفلسطينية المكونة لشخصية اللجوء مع تأثيرات قوى اخرى من المجتمع المضيف ووكالة الانروا والمنظمات الدولية والتي اصبحت بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية اللاعب الاقوى في التأثير وتظهير شخصية اللجوء والتي نراها اليوم.
لا اريد ان أغفل عن مجموعة مؤثرات اخرى كالبعد الاجتماعي والاقتصادي والذي اعتبره نتيجة اللجوء وتم تكريسه وترسيمه من قبل المجتمع المضيف وقوى الانا النضالية والوكالات الدولية للاغاثة ومنظمات المجتمع الدولي والعديد من الجمعيات المحلية الفاقدة للرؤيا والبعد الاستراتيجي المنهجي في تنمية شخصية اللجوء والنهوض به.
كل ما تقدم أنتج شخصية اتكالية تصارع الخبرات المتراكمة الموروثة وبين متطلبات الحياة المستجدة والمتغيرة بتغير الاحداث على بقع جغرافية بعينها اسمها المخيم. فهذا الانسان القاطن داخل المخيم يمثل نبتة اذا نقلتها من تربة الى تربة اخرى، ممكن ان تتعرض هذه النبتة الى انتكاسة، الا اذا قدمت لها سبل العناية والادوية والفيتامينات اللازمة وهنا محور ما يحدث مع هذه الشخصية اللاجئة.
غياب القوى الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير بالاحرى حركة "فتح" وحركة "حماس" عن المشهد الاساسي في مد هذه الشخصية اللاجئة بمقومات الحياة وهذا له اسبابه الذاتية والاقليمية والدولية وكثير منه غير مبرر.
منح وكالة الاونروا مساحة واسعة في حياة اللاجئ يعود الى عدم قدرة المكون النضالي الفلسطيني من أن يسد هذه الثغرة الاقتصادية والاجتماعية وتسليط الضوء والمطالبة الدائمة من قبل هذا المكون يعود الى العجز في محاباة وحل مشاكل اللاجئين بابعادها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
علماً ان الاونروا والمنظمات الدولية والمحلية في كثير من اعمالها يغيب عنها التنسيق واللغة المشتركة الذي يؤدي الى الفوضى في توجيه انشطة الاغاثة والدعم للاجئين .
لقد اضافت "الكورونا" الى شخصية اللاجئ ضعفاً على ضعف وسلبته استقلاليته ولم تسمح له بإعادة انتاج شخصية جديدة تعمل على تغيير واقع اجتماعي واقتصادي مرير ووجهت كل ما تبقى من مكامن القوة عنده للتناحر والتشكيك وعدم الثقة فيما بينهم وافرز المجتمع اللاجئ مجموعات لا هم لها الا الانتقاد السلبي للآخر واي مبادرات حتى ولو كانت صغيرة فهي مشكوك بأمرها.
إن وسائل التواصل الاجتماعي من "فيسبوك" و"واتساب" كان من الممكن ان يستخدمها اللاجئ للتوعية والتوجيه والتحديث والتعريف بمشكلاته وليس ملهاة للتناحر والتباغض كما يحدث الان .
إن توجيه الهدف لان يكون (كرتونة مواد غذائية) ودفع الناس وتأليبهم "وهذا متعمد" والتسابق للحصول عليها، ترك مصير مجتمع كامل عرضة للانتهاك وتسلق المستغلين بمسميات مختلفة، فكثير ممن يتعاطون هذا الشأن يرونه من برج عاجي، ومازالوا يحاكمون النتائج وليس الاسباب.
ان زمن "الكورونا" في مجتمع اللاجئين المفترض ان يؤسس لافكار ايجابية تعيد انتاج شخصية جديدة قادرة على ابتكار الحلول وبعيدة عن التسلق والتنظير وعدم دراية بالحياة اليومية للاجئ قائمة على التنسيق والتشبيك والبعد عن الانا، بعدما كشفت "الكورونا" الازمة البنيوية التي يعيشها مجتمع اللاجئ. وكشفت الهوة الواسعة بين مجموع اللاجئين انفسهم وبين مكونات النضال ومقدمي الخدمات الذين عليهم بغض النظر عن نوعية المنظمة، ان يكون عملهم قائما على معرفة شاملة بمشكلات اللاجئين والاستجابة لها ضمن سياسات واضحة وليس على قاعدة (انا اوزع كرتونة اذاً انا موجود).
ومن المفيد بناء برامج وانشطة تلك المنظمات على قاعدة الاستمرارية والشفافية والمسائلة، وأن يكون خلق فرص للعمل اساساً للكثير من العائلات داخل مجتمع اللجوء.
لقد بين زمن "الكورونا" العديد من العيوب والثغرات بآليات التحرك والاستجابة وبين هشاشة الاعتماد على المساعدات الخارجية وضعف الاطر المؤسساتية والتي تعمل لضرورات حزبية ضيقة وضرورة الالتفات نحو اقتصاد منزلي مجتمعي ومبادرات محلية تستجيب للحاجات الطارئة .
اما الوعي المجتمعي فظهر متهالكا، تديره وتسيره مجموعات وافراد ينقصها الكثير من المهارات والخبرات والمعرفة التنموية والتكنولوجية وادوات العمل الممنهج، همها تسجيل نقاط على قاعدة انا موجود .
لكل ذلك، لا نستطيع أن ننادي باسترجاع الارض قبل قيامة الانسان وتحريره من التبعية والانانية والفوضى وايجاد مقومات الصمود من صناديق تنموية واطر مجتمعية تعمل في كل المخيمات وتكون حق لكل فرد لاجئ في زمن ما بعد الكورونا .
وأخيراً اذا كانت للكورونا مخاطر، فلنحولها الى فرص، ولتكن افكارنا ايجابية، والفكر الايجابي يمنع اولائك المتسلقين حتى ولو امتلكوا ادوات ومال .واختم كلامي بما قاله الدكتور مصطفى حجازي: (لا يمكن أن يصل انسان في هذا العالم إلى التوازن النفسي وإلى الشخصية المُعافاة والمتوازنة والغنيّة, إلّا إذا تحرّر من وضعية القهر التي تُفرض عليه).
==========================
مدير عام جمعية عمل تنموي بلا حدود- نبع
=========================
google-playkhamsatmostaqltradent