قد نتفهم وسائل الحكام الخبيثة في شيطنة معارضيهم ، و إلصاق التهم بهم !
ابتداءً من الاتهام بالخيانة و انتهاءً بالانحراف الاخلاقي . فهم و من اجل البقاء
على رأس الدول و التصرف بالاموال العامة و حتى يبقى نفوذهم و مكاناتهم
الاعتبارية يمكن ان يقوموا بأي شي ، من القتل و الاعتقال الى تشويه صورة
الخصم السياسي و الفكري . يوظفون لتلك الغايات افرادا و مؤسسات
و اختصاصيين ، بل يمكن ان يستوردوا متخصصين و مستشارين و مخططين من
خارج الحدود و بمبالغ طائلة حتى يتمكنوا من اخضاع المعارضين ، بل و محوهم
من الوجود . هذا تصرف بديهي و معروف عند كل مستبد، يحكم البلاد وراثيا او
شبه وراثي . اذا كان ملكا او شبه ملك ، اذا كان انقلابيا و يتحكم بالعسكر .
كل ذلك يمكن فهمه من زعماء يقودون البلاد على طريقة زعماء العصابات .
دائما تجدهم محاطون برجال يفتقدون للكرامة و مجردون من الضمائر .
رجال يرتدون البزات العسكرية و النجوم على اكتافهم ، او يخفون عيونهم
بالنظارات السوداء و اجسامهم بالبذلات الواسعة التي تتسع للمسدسات
و الرشاشات الصغيرة . و برجال دين لا يتوقفون عن الدعاء لولي الامر
و لاسرته و اقاربه و معارفه ، و يُسقطون عليه الايات و الاحاديث التي
تحث على طاعته العمياء و الرضى بكل ما يأتي منه و الاستسلام لاهوائه
و سياساته و ارتجالاته . و يتوعدون من يعارض الحاكم بحساب عسير يوم
القيامة ، و بحياة نكدة في الدنيا ! و تجد حول الحاكم جيش متفرغ من الاعلاميين
و الردّاحين و اشباه المثقفين و ادعياء العلم و مروجي الشائعات و المزمرين
و السحيجة الذين يتحدثون عن انجازاته العظيمة و يوعزون كل تقدم في اي مجال
من المجالات الى حكمته و رعايته . كل انجاز ناتج عن جهوده الجبارة و تشجيعه
و عطائه . بطبيعة الحال فانهم يغضون البصر عن البطالة و الغلاء و الجريمة
المتفشية و الادمان و تراجع المستوى التعليمي و انعدام الخدمات العامة ، و لا
يتكلمون عن السمسرة و الرشاوى في الدوائر الحكومية و لا عن الاهمال الطبي
و انتشار الامراض و الاوبئة ، و لا عن العوز و الفاقة حيث لا يجد البعض
قوت يومه عوضا عن تكاليف الطبابة و التعليم و الاحتياجات الضرورية .
تتبع الحاكم عشرات الكاميرات التي تسجل كل فعل من افعاله ، حتى لو
قاد دراجه هوائية او تكلم مع مواطن عادي او زار مستشفى او مشي في الشارع .
اذا شيد مبنى او عبّد شارع او بنى مستشفى او مدرسة كل هذا من فعل الحاكم
و كأن اموال البلد هي امواله يمُن على الشعب بها . لو قدمت مساعدة لمريض
او لعائلة فقيرة او لتلميذ كل هذا يكون من كرمه و نبله و عطفه ، و ليست حقوق
تذهب لاصحابها و ملاكها من ابناء الشعب ! و تجد حول الحاكم المستبد قضاة
لا يفقهون من القضاء الا اسمه ، لا يعلمون ثقل الامانة التي يحملونها ، و لا
يدرون قيمة العدل و فداحة الظلم . يحكمون بمشيئة الحاكم ، ليس بالدليل و الشهود .
كل مخالف للحاكم متهم و قد يصل حكمه للاعدام ! يصدر القاضي حكمه و هو
منشرح السريرة و لا يعلم بانه سيتقاضى يوما ما امام قاض لا يُظلم عنده احد ؟
يحكم بالجملة ، يسمع من الطرف القوي و لا يلتفت للضعيف ، كل ما يريده هو
رضى الحاكم البائس ، الذي يمكن ان تقتله حشرة صغيرة ، او يصاب فجأة في عاهة
تلزمه حتى يهلك . اذن هذا هو الحاكم و رجاله و حاشيته و جوقته ، لا يترددون
عن فعل اي شئ ، و ليس امامهم محرمات اطلاقا ، كل شيئ مباح في سبيل غاياتهم
و مكاسبهم . كل معارض عميل و فاسد و مفسد و مهرب و ارهابي و منحل خلقيا .
كل شيئ يمارسه الحاكم و زبانيته من ارتباط بجهات خارجية و تعامل مع الاعداء
و نهب للمال العام و ارتكاب لكل المحرمات يلصقها بخصومه ، يشيطنهم ، يجعلهم
و عائلاتهم و اقاربهم و اصحابهم و معارفهم و اهل مدينتهم او قريتهم و عشيرتهم
"ان كانت لهم عشائر " ، بل و كل من سلم عليهم في الشارع او تحدث عنهم و ابتسم
في وجوههم او غضب على ظلمهم او تحدث عن مناقبهم . كل اؤلئك متآمرون
ضد الوطن . يريدون الفوضى في البلاد ، يقوّضون السلم الاجتماعي ، يريدون نهب
الثروات ، لهم اطماع في السلطة ، يريدون تدمير المنجزات و العودة بالشعب للعصور
المتوسطة ! اتهامات بلا ادلة و نيل من كرامة المعارضين و محاولة تقزيمهم و التقليل
من شأنهم و حصرهم في خانة التآمر و الخيانة ! اذن لا بد من الفتك بهم ، و ممارسة
اقصى اشكال التنكيل و التعذيب و القتل و الابعاد ، كل هذا حفاظا على الوطن !
و كم خسرت الاوطان من رجال مخلصين يعشقون اوطانهم ، جاهزون لتقديم
الارواح من اجل بلدانهم ، ذهبوا الى حيث لا عودة ، إما للقبور و إما خلف القضبان
و إما خلف الحدود . و فوق كل ذلك تلطخت سيرهم بقصص ملفقة ، و باحاديث
لا اصل لها ، و بشائعات من بنات افكار مخترعيها ، ذهبوا و بقي عشقهم
لاوطانهم و بقيت الحقيقة ضائعة ، و بقي الظلم يلاحقهم حتى في غيابهم .
لكن اية معارضة في بلادنا ، ما هو دورها ، ما هي ممارساتها ، اين يعيش
قادتها ؟ معارضة منقسمة و غير متجانسة و غير متفقة على قواسم مشتركة .
معارضة بلا اهداف واضحة . انتهازية تبتعد عن السلطة مادامت تتجاهلهم و تدير
ظهرها لهم و تتعامى قصدا عن أنشطتهم . معارضة تقترب من الحكم مادام لها
شيئ من الكعكة ، مقعد نيابي او وزارة ثانوية او حتى رئاسة بلدية بل حتى
مجرد السماح بصحيفة او مهرجان او تجمع جماهيري او حتى معرض فني .
معارضة هزيلة غير قادرة على اي تغيير عوضا عن ايجاد برنامج حقيقي
يحاكي الواقع و يجمع الجماهير حوله حتى يصل بهم الى تغيير النظام الاستبدادي .
نعم حكام لم يُختاروا اختيارا حرا من شعوبهم ، جاؤا اما على ظهر دبابة
او من خلال خداع انتخابي او بتوريث من آبائهم . جاؤا الى حكم مطلق
ابدي . منزهون عن النقد ، فوق العدالة و القانون ، يملكون المال العام و
يملكون السلطة و الشعب ، لا صوت مسموع الا صوتهم ، و لا هواء نقي
الا هوائهم ، و لا اعتبار لاي شيئ الا ما يسمحون به ، و مع كل هذا و ذاك
يجدون شعبا طيعا مستسلما و مصدقا لكل ما تصدحه المنابر الرسمية ، كل
شيئ يأتي من القصور الفارهة مقدس ! اكثرية فقيرة لا تعرف مصالحها ، يضحكون
على ذقونهم بشعارات فارغة ، يثيرون مشاعرهم بحب الوطن و كأن
الوطن هو الحاكم و عائلته و حزبه و رجال حكمه و جيشه و زبانيته و منافقيه .
يخوفونهم من القوى الخارجية و لا يقولون لهم انهم عملاء لتلك القوى الخارجية .
يخوفونهم من الفوضى و لا يبيّنون لهم انهم وراء كل فوضى و انهم من يصنعون
الفوضى و يوظفون شذاذ الآفاق و يمولونهم من اموال الشعب الى ان يأتي وقتهم
فينشرونهم في الشوارع لتنفيذ مخططاتهم في اشاعة الفوضى و الاعتداء على
الممتلكات العامة و الخاصة و تعريض امن الناس للخطر مما يجعل من الضرورة
بل و من اولويات مطالب الناس سيطرة القوى الامنية على الشارع لمنع الفلتان
و فرض القانون ، و هو ما يستدعي احكام قهرية كفرض منع التجول و فرض
الاحكام العرفية بحيث يتصرف الحاكم فوق كل القوانين فيعتقل و يقتل
و يقمع بلا اي رادع . هذه خديعة تشترك فيها كافة الحكومات المستبدة في بلادنا .
و هذه حقيقة عرفها الانسان منذ مئات السنين و مازلنا نخدع بها ، و لن تتحق
لنا كرامة في بلادنا الا اذا اخترنا من يحكمنا بارادتنا و بحريتنا ، ليس لنسبه
و لا لماله و لا لحزبه و لا لخطبه الرنانة بل لاننا نراه الافضل لقيادة البلاد .
إعلان منتصف المقال