recent
أخبار الساخنة

الانتخابات هي استحقاق قانوني ووطني ملزم // الحاج رفعت شناعة

الصفحة الرئيسية

الانتخابات هي حق طبيعي ودستوري للشعب بكل مكوناته. فهي التي تضمن الاستقرار، والأمن، والتقدم الحضاري، وبناء المجتمع الديموقراطي، وتوفير حالة متوازنة من التعايش، والتعاون، والتكافل. وتبلور الشخصية الوطنية, وعندما تكون الانتخابات دورية ودستورية وديموقراطية يستطيع الشعب أن يصنع حاضره ومستقبله، وأن يدافع عن أرضه، وأن يصد أعداءه، وأن يطفئ نار الفتن والمؤامرات، وأن يحمي الأجيال من الصراعات الداخلية، ليكونوا جميعاً ومعاً اليد التي تبني، والتي تصنع الحرية والاستقلال. من حق الشعب أن يرفع صوته بوجه كل من يحرمه من حقوقه المشروعة، لأنَّ بعض المسؤولين الذين فقدوا ثقة شعبهم بهم لا يرغبون في إجراء الانتخابات، ويسعون إلى التمسُّك بكرسي الحكم، وهذا الكرسي بنظره هو كالدجاجة التي تبيض ذهباً، وينسى بالتالي أنَّ مصيره سيكون في مهبِّ الريح عندما يفتقد ثقةَ شعبه به.

إنَّ الشعوب تمتلك القدرة على الصبر، والمقاومة، وتحمُّل آثار العدوان، وتقدم التضحيات، لكنها لا تعطي الثقةَ لمن يحرمها من حقوقها، ولا لمن يكِّبل أيديها، ولا لمن يتآمر على حاضرها ومستقبلها.
وشعبنا الفلسطيني هو في مقدمة الشعوب الحُرة التي تعتز بتاريخها، وبحاضرها، وتضاهي الأمم بثورتها الرائدة ابنة الخمسة وخمسين عاماً منذ إنطلاقتها. إنَّ هذه المعاناة المريرة، والمديدة جعلته صلباً، مرفوعَ الرأس، يرفض المذلة والركوع والاستسلام، أو التنازل عن حقوقه.
إنَّ شعبنا الفلسطيني الذي قدَّم نموذجاً مُشرِّفاً في صراعه ضد أشرس وأخطر إحتلال همجي، لن يرضى أن يُعامَل بهذه الطريقة من قياداته. فالتجارب السابقة في الانتخابات الرئاسية، والتشريعية، والبلدية، والنقابية أثبتت مصداقيته وأمانته، وهو لا يجاملُ أحداً عندما يختارُ من يقوده نحو التحرير، والاستقلال، والعودة.
لقد تمت الانتخابات العام 1996 وشملت الضفةَ والقدسَ وقطاع غزة، وكانت ناجحةً، ونزيهة بامتياز، وأشرفت عليها لجنة الانتخابات, إضافة إلى هيئات وشخصيات دولية وازنة، وكلُها أجمعت على أنها انتخابات نزيهة، وفاز يومها بالرئاسة الرمز ياسر عرفات بأغلبية 86% من الأصوات، ورشَّحت نفسها يومها بالمقابل الدكتورة سميحة خليل، كما وقاطعت الانتخابات حركتا حماس والجهاد الاسلامي.
وفي آخر انتخابات العام 2006 فاز الرئيس أبو مازن بأغلبية 63%، وشارك فيها أيضاً د. مصطفى البرغوثي.
كما كانت المفاجأة في مشاركة حركة حماس وبكل ثقلها في هذه الدورة، وكسبت الأغلبيةَ في المجلس التشريعي وهي أقل من الثلثين.
وما نريد التركيز عليه، أن الرئيس أبو مازن تقبَّل النتائجَ رغم خسارة فتح الكبيرة، وطلب من وزراء فتح في الحكومة آنذاك أن يسلِّموا الوزارات إلى الحكومة الجديدة, التي شكَّلها الأخ إسماعيل هنية، وكان وزراؤها ينتمون إلى حركة حماس. وأثبت الرئيس أبو مازن يومها أمانتَه وحرصه على وحدة العمل الوطني, الذي يستند إلى مداولة السلطة عبر صندوق الاقتراع, وتعاطى مع الجميع من موقع المسؤولية بعيداً عن الحزبية. وعندما كلَّف الرئيسُ الأخ اسماعيل هنية بتشكيل الحكومة، وكان يومها واضحاً في الجانب السياسي والقانوني، عندما قال له: هذه الحكومةُ هي حكومتي كرئيس, ويجب أن تلتزم بما التزمتْ به السلطةُ الوطنية. وأنه ليس مطلوباً من حركة حماس، ولا من أي تنظيم فلسطيني أن يعترف بإسرائيل، لأنَّ هذا الأمر يخص منظمة التحرير فقط. وأنَّ برنامج الحكومة السياسي يجب ان لا يتعارض مع برنامج الرئاسة. لكنَّ الحكومةَ لم تستمر إلاَّ بضعةَ شهور، ثم حصل الانقلاب, وحصل ما حصل من ممارسات مريرة. لقد ذكرتُ وقائع الانتخابات التي حدثت، والتي فازت بها حركة حماس، بإن الرئيس أبو مازن مُؤتَمن في هذا المجال، ويقبل النتائج مهما كانت، ويعطي كلَّ ذي حقِّ حقَّهُ، ويرفض قلبَ الحقائق.
لكنَّ الواقع المؤلم الذي وصلنا إليه بعد العام 2007 وحتى الآن، أي بعد مرور اثني عشر عاماً على الانقلاب، وبعد المعاناة المريرة على كل الأصعدة، وانفصال القطاع عملياً عن الضفة، وبعد ألتصعيد العسكري، والأمني المتواصل ضد شعبنا، وبعد الانهيار الاقتصادي في الاراضي الفلسطينية خاصةً في القطاع، حيث يسعى الكثيرون إلى الهجرة هرباً من القصف والتدمير والقتل العشوائي، والمجاعة والبطالة, كلُّ هذه المعاناة تفرض على الجميع وقفةَ ضمير ووفاء لفلسطين والشهداء قبل أن يغرق المركب. لا احد يستطيع ان ينكر ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني في الاراضي المحتلة، والإمعان الصهيوني في توسيع السيطرة الاستيطانية، والاصرار على تعذيب شعبنا يومياً بكل الوسائل والأساليب.
أمام هذا الواقع، وأمام هذا المنعطف الخطير من حياة شعبنا ومصيره المهدَّد بالتصفية، كقضية سياسية، وكشعب يطمح إلى الحرية والاستقلال،فإننا نؤكد مجموعةَ قضايا جوهرية نطرحها بتجرد،ومن أجل السعي الحثيث للخروج من مستنقع الانقسام:
أولاً: بعد التعقيدات السياسية والميدانية، والأمنية والوطنية التي نعيشها جميعاً بات كلُّ شعبنا, وفي كل أماكن تواجده، يدرك تماماً أن الانقسام هو المرض السرطاني الذي يلتهمُ جسدَنا الوطني والسياسي، ويعمل على تدمير مستقبل شعبنا، وأنَّ العلاجَ الوحيدَ المتوافقَ عليه دولياً، ولدى كل شعوب العالم, هو خيار الديموقراطية المتجسِّد في إجراء الانتخابات التي يشارك فيها أبناءُ الشعبِ الفلسطيني الذين يملكون حقَّ الانتخابات، دستورياً، في ظلِّ ضمان حرية الانتخاب, وبعيداً عن التهديدات الأمنية.
ثانياً: إنَّ خيار إجراء الانتخابات الشاملة، وفي كل مناطق السلطة الوطنية واجبٌ وطني، وكل من يسعى إلى تعطيل هذا الخيار الوحيد المتبقي لنا, إنما يخدمُ العدوَّ الصهيوني، الذي يبني آماله وحساباته ومكاسبه الاستعمارية على حساب وجودنا، وحقوقنا واستقرارنا.
ثالثاً: إن عنوانَ التصدي لصفقة القرن هو نسفُ وإلغاء الانقسام المدمِّر من حياة الشعب الفلسطيني. لأن الإنقسام وتعطيلَ المصالحة هو السلاح الذي يستخدمه الاحتلال الصهيوني لتركيع شعبنا، وتجريده من حقوقه السياسية والوطنية. وهذا الواقع لا يحتملُ المراوغةَ والمخادعة، والوقتُ الذي يمر على هذه المأساة الحالية ليس لصالحنا.
رابعاً: من الثغرات التي يجب معالجتها حتى نحافظ على العلاقات الداخلية الفلسطينية، هو الإلتزامُ بالهرمية الفلسطينية، وخاصة قيادة م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني،وأية اتفاقات أو معاهدات تخصُّ العلاقات مع الكيان الصهيوني المحتل يجب أن تتم عبر قيادة م.ت.ف, حتى تأخذَ أبعادَها السياسية مع القيادة الجماعية, وليس مع هذا التنظيم أو ذاك بعيداً عن قيادة م.ت.ف, وما نهدفُ إليه أن يكون الموقفُ موحَّداً, وليس مُشرذماً .
خامساً: إنَّ صيغة الموافقة على الانتخابات يجب أن تكون واضحةً, وصريحةً وبعيدةً عن الملابسات, لأن هذا الامرَ يتعلق بالشعب الفلسطيني ومصيره . فالموافقة على إجراء الانتخابات إنجازٌ وطني في هذه المرحلة, وهو الذي يحررنا من الانقسام .
لذلك فإن لجنةَ الانتخابات التي يقودها الدكتور حنا ناصر أخذت دورها الطبيعي بنقل الرسالة إلى قيادة الفصائل في قطاع غزة, واذا استقامت الأمور, وحسُنت النيات يجب الالتزام بتشكيل حكومةِ وحدةٍ وطنية انتقالية, إلى حين إجراء الانتخابات الشاملة, أما الرقابةُ المباشرة على عملها فتكون من خلال لجنة الانتخابات المركزية, أما المرجعية الأولى فهي المحكمة الدستورية, التي سبق لها أن حلَّت المجلس التشريعي بسبب توقفه عن العمل إثر الانقسام الذي حصل, وأدى إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية .
وهذه نقطة جوهرية يجب الالتزام بها إذا أردنا أن نصل إلى برِّ الامان, وأن ننتظر نتائجَ الانتخابات ليحصدَ كلُّ واحدٍ منَّا ثمارَ ما زرع, ونحن لنا ملءُ الثقة بشعبنا وبمن يختار, والمهم أن ينتهي الانقسامُ الأسود, وأن يلتحم القطاعُ بالضفة وطناً واحداً وشعباً موحَّداً .
سادساً: يجب أن تدرك قيادة حركة حماس بأنَّ قطاعَ غزة ليس ملكاً لها, ولا يحق لها التصرف به, لأنها فصيلٌ من الفصائل, وهي غير مخوَّلة بأخذ القرارات, وتحديداً صيغة التفاهم والاتفاق بينها وبين الجانب الاسرائيلي, وهي الاتفاق الأمني والعسكري وصيغته, (تهدئة مقابل تهدئة), وهذا ليس من حقها, لأن أية اتفاقات مع الاحتلال يجب أن تكون مركزيةً, وليس حزبية .
وأيضاً إتفاق قيادة حركة حماس مع الجانب الصهيوني ومع الجانب الاميركي, بإنشاء مستشفى أميركي في قطاع غزة, وهذا ما رفضته كافةُ الفصائل الفلسطينية هناك, لأنَّ مثل هذا المستشفى لن يكون سوى مركز للاستخبارات, فإن ترامب الذي يتآمر على قضيتنا وعلى شعبنا, ويقدم القدسَ هديةً وعاصمةً للكيان الصهيوني, ويأمرُ بوقف المساعدات عن مستشفياتنا في القدس, وأيضاً يوقف, ويحرض الدول الأخرى على وقف المساعدات التي تقدمها للأنروا, من أجل تصفية قضية اللاجئين . فكيف سيقبل الشعبُ الفلسطيني ومن يمثله بهذه الهدية الملغومة والمسمومة, بأن تُزرعَ داخلَ قطاع غزة, الذي تخضَّب ترابُه بدماء الشهداء, ومازالت أبنيتُه المدمَّرة شاهدةً على المجازر التي أمر ترامب غُلامَه نتنياهو بارتكابها على الاراضي الفلسطينية .
على قيادة حركة حماس التي هي جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الفلسطيني, أن تتعاطى مع قطاع غزة على أنه الساحة الوطنية الميدانية لكافة الفصائل, والقوى والشرائح, والهيئات الفلسطينية, وليس القطاعُ مُلكاً لفصيلٍ دون غيره, تماماً كما أن الضفةَ والقدسَ هي ساحاتٌ نضالية لكل الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال, وجيشه ومستوطنيه .
وأمام الاحتلال الصهيوني النازي, والعدوان الصهيوأميركي القائم, ليس أمامنا إلاَّ أن نكون شعباً واحداً موحَّداً, وقراره وطني فلسطيني بعيداً عن التبعية, والوصاية,والإلحاق, والاستخدام, ففلسطين هي الارض المباركة, والقدسُ هي مدينةُ الانبياء والرسل, وثورتنا الفلسطينية تتصدر كلَّ الثورات, والعالم يشهد على ذلك .
ورمزنا ياسر عرفات في مقدمة الصفوف جنباً إلى جنب مع ماوتسي تونغ, وهوشي منه, وڤيدل كاسترو, وأحمد بن بيلا, وجمال عبد الناصر, وجياب, ومانديلا وغيرهم ...
علينا أن ندركَ الحقائقَ قبل فوات الأوان, والتاريخُ لا يرحم ...




google-playkhamsatmostaqltradent