مخيم المية ومية الواقع على تلة مرتفعة مشرفة على منطقة صيدا بكاملها، ويومياً تدمع عيون المخيم على مخيم عين الحلوة وما أصابه من مآسٍ، واستهدافٍ لوطنيَة، وأهله، وشبابه، وأمنه، وأحيائه المكتظة بالمسلحين، والبنادق الموَجهة نحو الصدور. والأحقاد التي جعلت الأخ لا يعرف أخاه، لأن الفتاوى والقرارات لم تعد بيد من يعطي التعليمات، وانما أسياد الموقف هم الذين اعتادوا على بيع الشعوب، والحريات، وتقزيم وتشويه التاريخ الفلسطيني، والجغرافية العربية. فأداة الشر التي تتحكم اليوم بواقعنا، وتعمل على فرض ذاتها، وتستُّيدُ الموقف على حساب الشعب الفلسطيني الذي صنع أعظم ثورة في التاريخ المعاصر، وعلى حساب أرض فلسطين ومقدساتها.
مخيم المية ومية كان من أكثر المخيمات استقراراً وأمناً في لبنان، فهو مخيم وديع، و هادئ، ومنضبط، وتسوده العلاقات الأخوية البعيدة عن الصراعات والنزاعات.
منذ إنطلاقة الثورة قدَّم هذا المخيم الشهداء، فنحن لا ننسى الشهيد جلال كعوش الذي استشهد العام 1966، ولا ننسى (ابو يوسف) الرباني من مؤسسي تنظيم حركة فتح في صيدا وخاصة في المخيم، ولا ننسى طبعاً (أبو كمال كعوش)، والشهيد الزورو (فتحي زيدان)، والشهيد أبو كايد، والشهداء عديدهم كبير بما في ذلك الشهداء الذي ارتقوا مؤخراً، والذين كانوا يطمحون أن يُستشهدوا هناك في القدس والخان الأحمر، وهناك على حدود قطاع غزة. الفصائل الوطنية التي وُلدت في المخيم، وعاشت كانت تربطها علاقات مميزة، وكانت تسود حالةُ تعايش فلسطينية، وأيضاً حالة تعايش فلسطينية مع قرية المية ومية المسيحية، حيث هناك عيش مشترك، وهناك تزاور دائم. وهؤلاء إعتادوا على النمط الذي أسسته حركة فتح بالنسبة للتعايش، وهم اليوم يتحدثون بألم عن ما وصلت إليه أمور المخيم الأمنية، ويسألون عن الاسباب والمتغيرات.
العقلية الفلسطينية التي سادت مخيم المية ومية منذ البدايات هي عقلية المحبة، والتسامح، والتعاون، والحوار، والشِراكة في مختلف القضايا التي تهم المجتمع، وتخدم القضية الجوهرية والاساسية وهي القضية الفلسطينية التي تنتعش، وترتكز وتتماسك من خلال الوحدة الوطنية كشيء مقدس، ومن خلال تكريس العلاقة الاخوية التي لا يمكن حمايتها إلاَّ من خلال قناعة حركة فتح الجوهرية بأن هذا السلاح الموجود بين أيدينا هو في الاساس موجِّه إلى العدو الإسرائيلي، وإلى كل من يريد تصفية الثورة الفلسطينية، أو القضاء على المشروع الوطني بهدف جعل شعبنا، وحركتنا، ومنطمتنا مجردة من السلاح، ومن كل عوامل القوة الكفيلة بدعم مسيرتنا الثورية، ودَفْعِنا إلى التسليم والانكسار أمام المشروع الاميركي الصهيوني. وهذا ما رفضه الرئيس أبو مازن ورفضناه في حركة فتح، وفي فصائل م.ت.ف.
لذلك نحن في حركة فتح أصحاب المشروع الوطني، نؤمن ونؤكد بأن من يريد أن يكون من أبناء المخيم سواء كشخص، أو كتنظيم عليه أن يدرك بأنَّ العنف، والقتل، واستخدامَ أنواع الأسلحة في حلِّ أي مشكلة، أو لافتعال مشكلة معينة مرفوضٌ رفضاً كاملاً، لأنه لا يعبِّر عن الحرص، ولا عن الأمانة، ولا عن الوفاء للشهداء، ولا عن رغبة في التعايش.
واذا كان هناك من لا يريد وجوداً إلاَّ وجودَه، واذا كان هناك من لا يستطيع ضبط نفسه، ولا ضبط عناصره، ودائماً يتصرف مدفوعاً بعوامل داخلية سلبية من أحقاد ومخلفات الماضي، فعليه أن يتوجه إلى حيث الاحتلال الاسرائيلي ويمارس دوره، وترك عائلات وأهالي المخيم يعيشون باستقرار، وشراكة وطنية مشهودة، كما كانوا منذ الانطلاقة وما بعدها.
نحن لن نسمح كحركة فتح باستبدال صيغة التعايش الفلسطيني التي تربينا عليها، بصيغة جديدة جوهرها السيطرة الحزبية بقوة السلاح، والصواريخ، وتعمُّد القتل، والتصفية الجسدية.
نحن سنحمي شعبنا برموش أعيننا، وبأجسادنا، لأنَّ شعبنا هو رصيدنا الوطني، وهو رأس مالنا، والثورة التي أطلقناها ستبقى مستمرة حتى النصر.
شعُبنا ومصالحهُ الوطنية اكبرُ منا جميعاً، واكبر من الحسابات الضيِّقة، ونحن جميعاً في غياب الاحتضان الشعبي لانساوي شيئاً، ولا نكون من بناة الثورة المستمره.
الحاج رفعت شناعة
عضو المجلس الثوري
24/10/2018