recent
أخبار الساخنة

هكذا يحوّل ذوو الاحتياجات الخاصة في المخيمات الفلسطينية إمكاناتهم إلى طاقات منتجة


لم تتمكن الإعاقة الجسدية يوماً، من الحد من طموح حوالي 5400 شاباً وفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، فقد واجهوها بالإرادة القوية، والتصميم على متابعة الحياة بشكل طبيعي، بخاصة عندما وجدوا مؤسسة تحتضنهم وترعى شؤونهم، ألا وهي “مركز الكرامة للمعوقين الفلسطينيين في لبنان”، فتعلموا من خلال مشرفين أكفاء، مهناً فتحت لهم آفاق العمل، كالرسم على الزجاج، وصنع الإطارات الخشبية، والتخطيط، وغرافيك ديزاين وغيرها.


وبالنسبة للفتيات، أتقن من خلال التدريب، فن تطريز التراث الفلسطيني، وصناعة الورد، والسجاد، والعمل على النول وشك الخرز.

“وكالة القدس للأنباء” زارت المركز في مخيم عين الحلوة، والتقت المشرف عليه خالد الخطيب، وعدداً من الشباب والشابات من ذوي الاحتياجات الخاصة، للتعرف إلى الأنشطة والمجالات التي تعمل بها خلايا النحل اليومية هذه.

للوهلة الأولى لا يمكن أن تلحظ أنك أمام حالات خاصة، فالكل يعمل بجد وحيوية، وكأن الحياة منحتها كل الطاقات والإمكانات الخلاقة، وكل فرد ينشط في مجاله، يسعى لتطوير مجال تخصصه، ويقدم أفضل ما لديه ليخرج العمل متقناً.

الرعاية والتقديمات في المجالات كافة

وقال الخطيب لـ”وكالة القدس للأنباء”، إنه “نظراً للواقع المرير لشعبنا الفلسطيني في لبنان، والحاجة الملحة لذوي الإعاقة, نشأت مؤسسة الكرامة للمعوقين، لتأخذ دورها في رعاية المعوقين، جنباً إلى جنب مع باقي مؤسسات المجتمع المحلي الفلسطيني”.

وأشار الخطيب إلى أن “مؤسسة الكرامة هي إحدى المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تعمل في مجال الإعاقة في المخيمات الفلسطينية كافة، تأسست في عام 2000، وبالرغم من وجودها في منطقة صيدا، إلا أن خدماتها تصل إلى كافة المناطق اللبنانية عبر مندوبين للمؤسسة”.

وأوضح أن المركز الرئيسي له موجود في مخيم عين الحلوة، الذي يزيد عدد سكانه عن 80 الف نسمة، بينهم ما لا يقل عن 4000 من ذوي العسر الشديد، و1200 معوق، أما عدد المعوقين الفلسطينيين في لبنان حسب إحصائية هيئة الإعاقة الفلسطينية، يقارب الـ 5400 معوق، وتتواصل المؤسسة مع نسبة 80 % من المعوقين وذويهم، وتقدم لهم الخدمات والإرشادات جميعهم حسب إعاقته”.


ولفت إلى أن المركز يقيم علاقات مع المؤسسات الفلسطينية المحلية، وهم: المؤسسات الأهلية في منطقة صيدا، وشبكة حقوق الطفل (نبع)، ولجنة الدعم والمناصرة، وهيئة الإعاقة الفلسطينية التي تتضمن ثمانية عشرة مؤسسة منها: اتحاد المرأة، المساعدات الشعبية النروجية، بيت أطفال الصمود، نبع، النهضة، غسان كنفاني وغيرهم، واتحاد المقعدين اللبنانيين، وجمعية المواساة، واتحاد المعوقين الفلسطينيين في لبنان.

وعن دور المركز، قال الخطيب إنه “مؤسسة اجتماعية خدماتية ثقافية تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ودمج المعوق، لأن المعوقين لهم الحق في العيش الكريم”.

تحفيز العمل الجماعي

وعن القيم التي ينطلق منها، أشار الخطيب إلى أن “المركز يتعامل بمصداقية وشفافية مع كل القيمين، ويحفز علىالعمل الجماعي داخل المؤسسة، ويسعى إلى عدم التمييز”.

أما الأهداف المرجوة بحسب المشرف على المركز، فهي: رعاية المعوق عبر متابعة أحواله التأهيلية وتطورها، وضمان حصول المعاق على حقوقه في الطبابة والتعليم والعمل، والعمل على التوعية الصحية للوقاية من الإعاقة، والسعي لتخفيف العبئ عنهم ودمجهم في المجتمع، ودمج المعوق مع المجتمع المحلي من خلال أنشطة اجتماعية وانشطة مشتركة مع المؤسسات المحلية، والعمل على تدريب مربيات رياض الأطفال على العمل مع الأطفال المعوقيين، ودمج عدد من الأطفال المعوقين في الرياض ومدارس “الأونروا”، ودمج أطفال غير معوقين مع الأشخاص المعوقين داخل المؤسسة من خلال نشاطات ترفيهية، والتدريب على الاشغال اليدوية.


وأوضح الخطيب، لـ”وكالة القدس للأنباء”، أن “المركز افتتح صف دمج إعاقات متعددة لتعليمهم على الأمور التربوية والترفيهية، لكي يتمكنوا من مواصلة حياتهم بشكل طبيعي، وأنه يعمل على تقبل الأشخاص غير المعوقين للأشخاص المعوقين في الرياض والمدارس والمجتمع المحلي، كما أنه يقيم محاضرات توعية وتثقيف للأهل، والاهتمام بالموظفين لتنمية قدراتهم، من خلال دورات لمواكبة كل ما هو جديد في مجال الاعاقة، والتشبيك مع المؤسسات المحلية”.


وعن الأقسام الموجودة في المؤسسة، عددها الخطيب كالتالي: أولاً مشغل الشباب ذوي الإعاقة، حيث عمل المركز على تدريب الشباب مهن مختلفة منها: الرسم على الزجاج، التلوين، رش بالرمل، تصنيع إطارات خشبية، تخطيط، غرافيك ديزاين، وتدريب أطفال متسربي من المدارس على المهن الحرفية، من قبل الأشخاص المعوقين في المؤسسة.

ثانياً مشغل الشابات ذوي الإعاقة، تعمل خلاله على الرسم على القماش، التطريز، صناعة الورد ( سراميك، اصطناعي)، صناعة السجاد من خلال العمل على النول، وشك الخرز، وتدريب فتيات متسربي من المدارس على التطريز للتراث الفلسطيني والأشغال اليدوية.


وأوضح الخطيب أن “المركز يقوم بزيارة الأطفال المعوقين في منازلهم ويلعب معهم، ويساعدهم على الدراسة، ويقيم دورات توعية ومحاضرات للأهل، ويوعي الأشخاص المعوقين على حقوقهم”.


إضافة إلى ذلك يوجد في المركز قسم الإعارة، حيث يتم من خلاله إعارة الأدوات المساعدة للمعوقين وكبار السن وكل من يحتاج الى هذه الخدمة، وأدوات المساعدة التي تقدمها المؤسسة هي ( كرسي متحرك ، واكر ، عكازات متنوعة ، حفاضات ، فرشة ماء )، وقسم البحث الاجتماعي، حيث يقوم الباحث بزيارات متكررة لذوي الإعاقة، وأخيراً قسم العلاج الفيزيائي، نظراً لأهميته في تأهيل العديد من النواحي الطبية للمعوق.

تخفيف الأعباء المادية والإجتماعية

​وأشار إلى أن المركز يساهم في تخفيف العبء من الناحية المادية والاجتماعية ويعالج جميع الحالات منها: حالات الشلل الدماغي بأنواعه وشلل الاطفال، وحالات الاختلالات وأمراض الجهاز العصبي الطرفي والمركزي، وحالات اختلالات العظام وتشوهاتها، وحالات الشلل بمختلف انواعه ( الشلل النصفي، الشلل الرباعي)، وحالات الإصابات الرياضية، وحالات ما بعد الجراحة، وحالات ما بعد تركيب الأطراف، وتأهيل أفراد عائلة المريض للمساعدة في العلاج”.

بدوره، قال مشغل الشباب في المركز، محمد البني (35 عاماً)، لـ”وكالة القدس للأنباء”: “أنا أعاني من إعاقة جسدية (شلل نصفي)، نتيجة إصابة حرب في عمر الثامنة، وأعمل في مؤسسة الكرامة للمعوقين الفلسطينيين في لبنان منذ تأسيسها في عام 2000م”.

وأوضح البني أن “عملي في المؤسسة هو مشغل الشباب بالحفر على الزجاج، وبراويز الخشب والرش بالرمل، حيث كان العمل بالأشياء الفنية مجرد هواية لي، لكنها تطورت مع مرور الوقت، وأصبحت احترافاً ومهنة اعتاش منها، والفضل يعود الى المؤسسة، ومثابرتي على الاستمرار والتقدم، ومتابعة كل جديد لكي اتمكن من إتقان العمل بشكل أفضل”.

من جهتها، لفتت مشغلة الصبايا في المركز، إيمان شهابي (34 عاماً)، إلى “أنني أعمل لدى مؤسسة الكرامة منذ مدة ليست بعيدة، حوالي 6 أشهر، ونوع عملي هو شك الخرز، وهذا العمل يتضمن القلادات – حلى – أساور – مفارش”.

وأضافت شهابي: “في البداية كانت الفكرة مجرد هواية، ومع مرور الوقت أصبحت اتقن العمل، وتحول من مجرد هواية إلى احتراف، شاركت في عدة معارض داخل وخارج المخيمات بعمل فردي خاص، ضمن مؤسسات المجتمع المحلي”.

هذه المدرسة المنتجة، أثبتت أن الإعاقة لا يمكن أن تكون عامل تعطيل الطاقات الداخلية المبدعة، فهي أكدت أن الإنسان قادر على العطاء، في مجالات القدرات المتاحة، ليقدم ذاته ونتاجه للمجتمع، بشكل يحوز على التقدير والإعجاب.

فبالإضافة إلى الانتاج اليدوي لدى ذوي الاحتياجات الخاصة، هناك عامل نفسي لا يقل أهمية عن ذلك، حيث يقدم هؤلاء الأشخاص أنفسهم لبيئتهم وللعالم،حيث يؤكدون أنهم قادرون على فعل ما قد يصعب على الكثير من الأصحاء، وهذا له دلالة نفسية بالغة ، وعليه لا بد من دعم وتقوية مثل هذه المراكز في المخيمات الفلسطينية، لاحتضان هذه الحالات ورفع مستواها المهني، لتكون قوة فاعلة ومنتجة في مجتمعها.

وكالة القدس للأنباء – خاص










google-playkhamsatmostaqltradent