#مخيم_عين_الحلوة
*"محمد ميالي".. أهوالٌ أعادته إلى نقطة الصفر من جديد!*
هبة الجنداوي- صيدا
تصوير: مريم سليمان
عندما تنتهي الحرب، ستعود الحياة الى صيرورتها الأولى.. باعةٌ ما انفكوا متجولين، وموظفو شتى المنظمات الإنسانية وغير الإنسانية، يعِدونك بكلّ شيء، ولا يحقّقون شيئاً!
عندما تنتهي الحرب، ستجد نساءاً ينهمكن في ستر نوافذ وأبواب عبرت منها قذائف؛ بملاءاتٍ غسلنها للتوّ، وشباباً يحاولون استيعاب ما حلّ بمنازلهم التي كان بعضهم يتهيأ للزواج فيها وبعضهم قضى أجمل أوقاته فيها، ليرونها اليوم هباءاً أسوداً منثورا!
هي صورٌ مبعثرة لبعض المشاهد التي لمسناها في أعين عشرات اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة بمدينة صيدا جنوبي لبنان، من تضرّروا من الاشتباكات الأخيرة الدامية التي اندلعت في المخيم والتي أتت على الحجر والأنفس والآمال والأحلام!
*من الصفر مجدداً!*
محمد ميالي شابٌ فلسطيني يقطن في حيّ "رأس الأحمر" أحد الأحياء الشرقية لما يدعى "الشارع الفوقاني" لمخيم عين الحلوة، حيث تعرّضت الكثير من منازل الحيّ لعشرات القذائف كونه مواجه لحيّ الطيرة الذي كان ساحةً للمعركة بين الأطراف المتقاتلة.. وقد شاء القدر أن يكون منزل محمد من بين المنازل التي أتت عليها القذائف من كلّ صوب لترديه أسوداً قاحلاً لا أثر للحياة فيه!
يقول محمد لشبكة العودة الإخبارية، والكلمات تكاد تموت على شفتيه «عندما أعلنوا وقف إطلاق النار صعدتُ إلى منزلي لأتفقّده فكانت الصاعقة.. لم أجد ذلك المنزل الذي كنتُ بالأمس نائماً فيه وعائلتي، بل وجدتُ مكانه حطاماً ودماراً ورماد!».
لم يتخيّل محمد وزوجته أن تطال منزلهم القذائف وتأتي حارقةً على كافة أثاثه وأوراقهم الشخصية وملابسهم وحتى وثيقة الزواج!
محمد وزوجته اللذان كان يهيّئان أنفسهما لاستقبال مولودهما الثاني بعد ثلاث سنوات من الزواج لم يجدا لتلك الفرحة مكاناً مع هذه الصدمة! يضيف محمد «كانت زوجتي قبل أيام قد انتهت من تجهيز احتياجات مولودنا الجديد من ملابس ومستلزمات أطفال.. إلاّ أنّ كافة تلك الأشياء أتت عليها النيران ولم تُبقِ منها شيئاً!».
فرحة الزوجين بالمولود القادم لم تكتمل فتلك القذائف العشوائية قتلت حلمهما بحياةٍ كريمة لملودهما الثاني، وكتبت على طفلهما القادم أن يأتي إلى الحياة في منزلٍ فقد الحياة!
وتشير أم لؤي، والدة الشاب محمد وهي تغصّ بالبكاء، «ثلاث سنواتٍ قضيتها وأنا أعمل على بناء منزل إبني ليتزوّج فيه، كنتُ أحمل الحجارة بنفسي وأصعد بها إلى الأعلى ليبني منزله ويبني مستقبلاً أنتظره منذ أن وُلد.. ثمّ لتأتي تلك اللحظة القاتلة وأنا أشاهد منزل ابني يحترق عن بعد ولا نستطيع فعل شيء، بأيّ حقٍّ يحدث هذا!».
ومع حجم الألم الذي يعتصر "محمد" تراه لسان حاله يقول: عندما تنتهي الحرب؛ سأزور السياسيين والمتحاربين في بيوتهم، لألملم من بين أصابعهم آثار البارود، وبقايا الصور، والخطايا، وسأتركهم بلا وداع في مواجهة ضمائرهم!