قبل حوالي مئة عام تقريبا اقدم السياسي البريطاني آرثر جيمس بلفور
عندما كان وزيرا للخارجية البريطانيه في عهد رئيس الوزراء ذي الميول
الصهيونية ديفيد لويد جورج ، على تقديم نص مكتوب للمليونير اليهودي
ليونيل روتشيلد يتعهد فيه بدعم بريطانيا لانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين .
قال بلفور في رسالته بأن : " حكومة صاحب الجلاله- جورج الخامس-
تنظر بعين العطف الى اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين
و ستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية !" في ذلك الوقت
كانت بريطانيا و حلفائها يحققون انتصارات عسكرية كبيرة على دول
المحور التي كانت من ضمنها الدولة العثمانية التي كانت فلسطين تقع
ضمن سيطرتها . و لقد كانت الدولة العثمانيه قبل ذلك و تحديدا في عهد
السلطان العثماني عبد الحميد الذي تولى الحكم من عام 1876 الى 1909
قد رفض رفضا قاطعا عرض اليهود بتسهيل الهجرة الى فلسطين مقابل
اغراءات مالية طائلة ، و لكن حزب الاتحاد و الترقي الماسوني الذي
كانت غالبيته من اليهود او المتهودين انقلبوا عليه بتاريخ 27 نيسان 1909
و حكموا الدولة فعليا و قدموا تسهيلات لهجرة اليهود الى فلسطين .
مع هزيمة الدولة العثمانية التي كان يحكمها الحزب الماسوني ، كانت بريطانيا
و فرنسا تتفقان على تقسيم الممتلكات العثمانية في الشرق الاوسط بينهما.
و كانت بريطانيا تتطلع لجعل فلسطين ضمن مناطق انتدابها مما يسهل
على اليهود الاعداد لتحقيق مشروعهم بزرع كيان في فلسطين على حساب
مأساة شعب كامل كان على موعد مع المجازر و التهجير و القتل الممنهج .
لقد تحقق وعد بلفور لليهود بعد ثلاثين عاما تقريبا ، بتمهيد كبير و تنسيق
بين الدولة الاستعمارية و الحركة الصهيونية و تعاون عالمي و عربي كبير .
ارادت بريطانيا من خلال دعمها لاقامة كيان يهودي في فلسطين ان تحقق
إعلان منتصف المقال
مجموعة من الاهداف ، اولها : زرع جسم غريب في وسط المنطقة يفصل
مشرقها عن مغربها و يحول دون وحدتها و تماسكها ، و يمنع تطورها
و تقدمها ، و يكون قاعدة متقدمة للغرب في بلادنا . و ثانيها : التخلص
من غطرسة اليهود و مكرهم و احتكارهم للاقتصاد الوطني و للمؤسسات
المالية في الدول التي يعيشون فيها . و الحد من سيطرتهم على الاعلام
ووسائل الدعاية و بالتالي على الاوضاع السياسية و التوازنات الداخلية .
و هذا ما كان يشكل واقع من العداء الشعبي و الكراهية الشديدة المتنامية
من الشعوب الغربية التي يعيشون بين ظهرانيها . و ثالث الامور:
يتحدد بترحيل مكر اليهود و غدرهم و مؤامراتهم الى مناطق اخرى
في العالم بما يعود بالنفع للغرب من خلال الاستفادة من الاموال التي
يجنيها الغرب من استثمارات اليهود و من ودائعهم في البنوك الغربية
كثمن لمعاونتهم على زرع كيان قومي لهم في فلسطين ، و ايضا من خلال
ابقاء المنطقة في حال من الفوضى و الحروب بما يمنع من التطور و يربط
اقتصاديات البلدان العربية بالاقتصاد الاوروبي و من بعده الامريكي .
لقد كان وعد بلفور هو وعد المستعمر الذي احتل اراض شعب آخر
لمجموعة من الأفاقين الباحثين عن مكان يجمعهم بعيدا عن كراهية
الشعوب لهم . لكنهم و لسوء طالعهم جاؤا الى بلاد لشعب عنيد لا يستسلم
و لا يقبل الخنوع او الهزيمة . شعب عاشق لوطنه ، متجذر في ارضها ،
مستعد لتقديم التضحيات من اجلها . انه شعب لا يعترف بوعود و لا
اتفاقات تنتقص من حقه التاريخي ، و لهذا فإن وعد بلفور ، ووعد " الشعب
المختار" و ما بينهما لا يعني الشعب الفلسطيني بشئ انما يعني اصحابه
الذين ينتشون بالوعود الباطلة ، الزائلة لا محالة .