recent
أخبار ساخنة

إبنة المخيم: سيدة الشتات الأولى..فماذا يقول العالم؟

الصفحة الرئيسية

كنت أنتظر أحد الباصات لينقلني للعاصمة اللبنانية بيروت، وأحمل على كتفي قضيتي فلسطين والمخيم، أعبر بهما جسور العنصرية والرأي العام السخيف واللامنطقية الغبية.

ها قد وصل، باص آت من القرى الجنوبية، كل من به لبناني بعيد عن حياة الفلسطينيين في المخيمات وقريب من فلسطين الحدودية.

“إنت بتتعلمي؟”..شاب يجلس في كرسي بجانبي أحب أن يتعرف إلى النشيطة التي تقرأ من السابعة صباحا، إلى بنت المخيم. “اه بتعلم، وأنا فلسطينية ومن عين الحلوة وبدرس وبشتغل وبعرف العالم وبفهم منيح وإحنا عايشين بالمخيم كتير مبسوطين وشو كمان؟”. أعلم أني رسمت على وجهه ملامحا نادمة على طرح السؤال، وأعلم أنه سألني سؤالا واحدا فقط، ولكن اختصرت له ساعة من كلام متبادل، هو سؤال أحفظ توابعه جيدا، سؤال يمر على مسمعي مرتين يوميا، ويختتم بتعجب شديد وجملة “ولله ما كنت متوقع إنك من المخيم..أنا بعتذر يا أختي”.

حدث قصير يومي لا أعيشه وحدي، بل يمر على الكثير من فتيات المخيم، لا أعلم كيف استطاعوا أن يزرعوا بعقول البعض فكرة بأن من في المخيم هم وحوش مؤلفة من ذكور وإناث ولا يتبعن للبشرية، لربما كنا في زمن الديناصورات، هم أرادوا الإنقراض، ولأننا نحن شعب يحب العناد اخترنا البقاء.

أنا إبنة مخيم، حين دخلت قوات الفتنة لمخيمي لم تمشي على وجهي وتحوله لوجه ساحرة مجنونة تغني راب في وسط ليل عاصف. أنا إبنة مخيم، الرصاص الذي تم إطلاقه في مخيمي منذ ولادتي لم يخترق عيني ويسرق الكحل منها، أنا أيضا أتجمل، والكحل الفلسطيني خارق، فكيف إن كان على عينين لاجئة بكحلتها ترسم خارطة فلسطين!

أنا إبنة مخيم، صحيح أني ولدت وأخبروني أن إسمي لاجئة، يعني بشر تائه حي في مكان مؤقت لفترة مؤقتة، ولكن والدي لم يخبرني أن إبنة المخيم عليها أن تدفن نفسها تحت الأرض أو إن أرادت الحياة لا يليق بها العلم والوصول لطموحها.

أنا أعرف الموضة جيدا، وأمي تعلم أني عندما أدعي المرض أكون كاذبة، فادعاء مرضي يعني أني بحاجة للتسوق، أنا أعرف مواقيت الأنوثة والرجولة إن احتجتها،مخيمي عظيم جدا، علمني كيف أتحمل مسؤوليتي وأحمي نفسي من بعد حماية الله، إن وضعوني بين ألف مفترس.

أنا إبنة مخيم، ولدت على معاناة اللجوء وزمن إحياء النكبة والنكسة، أول خطواتي كانت في الأزقة بين البنى التحتية المهترئة، وأول حرف تعلمته كان في مدارس وكالة الأونروا، أول صوت سمعته رصاص فخر بعملية إستشهادية في فلسطين، تلاه رصاص نتيجة خلافات فصائلية،أول عمل كان لي في الأول ثانوي، يوم فتحت صف دراسي لتعليم بعض من أطفال المخيم، لعلي أخفف عن أبي مصاريف تزداد يوميا.

أردت أن أتعلم وأخرج للعالم بكامل ثقافتي وطموحي وفلسطينيتي، خلقت من رحم المعاناة ليرة فوق ليرة لأدخل للجامعة وأضع إسمي بين آلاف الطلبة الذين قالوا أن الجهل يملأنا.

أنا أنثى فلسطينية مخيمية، بتصرفاتهم يريدوني أن أتعرف لطرق الحقد والعنصرية، إن كانت ثيابي أنيقة يتعجبون أني من المخيم، إن كانت مهترئة يصدقون.

عاهدت وطني أن أحافظ على فلسطينيتي، فلا أخجل إن مررت من طريق الحمرا وقلت”اه، ليش، بديش، عزا”، ولا إن خرجت هويتي الزرقاء من حقيبتي صدفة.

أتعجب من ذاك الذي حتى الآن لا يصدق أني من المخيم بسبب خجلي الزائد!! ألهذا الحد وصلنا؟!، من أخبرهم أن فتيات المخيم بلا خجل وأخلاق، إننا على قول أحدهم”نساء مع رجالنا..مزيج من تحمل المسؤولية دونهم”.

حقا لست أبالغ، من يمر في ألف طريق ويصادف مختلف الأجناس والأشكال يعلم جيدا ما أقول، من يصدق أن مخيمي إرهاب لن يستبعد أن تكون فتياته نموذجا عن ذلك الإرهاب، لربما خلف بسمتي أخبئ قذيفة أنوي تفجيرها بهم، وخلف برائتي أخبئ عنصرية وفخ كبير للإيقاع بهم.

فتيات المخيم فتيات عاديات، لا يتم التعرف عليهن من خلال لباس معين ولون بشرة، أنت حيثما حللت أنظر حولك وقل بصوت عال”مخيم”، من ستنظر إليك، إعلم أنها اللاجئة..سيدة الشتات الأولى.

المصدر موقع عاصمة الشتات
google-playkhamsatmostaqltradent