recent
أخبار الساخنة

في ذكرى يحيى عياش بقلم فاطمة مجذوب

الصفحة الرئيسية

فاطمة مجذوب
صيدا 5 كانون الثاني 2016

هناك على أرض فلسطين، حيث جُبلت الأرض بدماء المجاهدين…
أولئك المجاهدين الذين رسموا بأناملهم طريق التحرير و العودة، تلك الأنامل التي زرعت الموت الزؤام يحصد أرواح الغاصبين المحتلين.
يحيى عياش… أسطورة العمليات الإستشهادية و المهندس الذي زلزل قلب الكيان الصهيوني و جعلهم يرون الموت في كل مكان. 
رثاه الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي بأجمل الكلمات:
"عيّاش حيٌ لا تقل عياش ماتْ 
أو هل يجف النيل أو نهر الفرات
عيّاش شمسٌ و الشموس قليلة 
بشروقها تهدي الحياة إلى الحياةْ
عياش يحيا في القلوب مجدداً 
من لي بمثلك صانعاً للمعجزات؟
إنْ غاب مقدامٌ سيخلفه مئاتْ..." 

"المهندس، الثعلب، الرجل ذو الألف وجه، العبقري، الفكر، و العقل"، ألقاب أُطلقت عليه من قبل إعلام العدو و قادته، عياش كان بنظرهم العقدة التي لا يوجد لها حل، شهد له العدو قبل الصديق، و لم يتوقف الرعب الذي زرعه المهندس في قلوب الصهاينة أنفسهم بل ظهر ذلك جليا في وسائل إعلامهم و على لسان قاداتهم الأمنيين و العسكريين قبل السياسيين، حيث بلغ الهوس المجتمع الصهيوني من رأسه إلى أخمص قدميه فقد قال إسحق رابين رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق:
"أخشى أن يكون عياش جالساً بيننا في الكنيست".
مضيفاً:
"لا أشك أن المهندس يمتلك قدرات خارقة لا يملكها غيره، و إن استمرار وجوده طليقاً يمثل خطراً واضحًا على أمن إسرائيل و استقرارها".
و قال شمعون رومح أحد كبار العسكريين الإسرائيليين:
"إنه لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطرا للاعتراف بإعجابي و تقديري بهذا الرجل الذي يبرهن على قدرات و خبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه، و على روح مبادرة عالية و قدرة على البقاء و تجديد النشاط دون انقطاع".
أما وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق موشيه شاحاك فقد قال: "لا أستطيع أن أصف المهندس يحيى عيَّاش إلا بالمعجزة؛ فدولة إسرائيل بكافة أجهزتها لا تستطيع أن تضع حدًّا لعملياته التخريبية".
و بدوره رئيس المخابرات الإسرائيلي الأسبق يعكوف بيري أقر أن عدم القبض على المهندسِ يمثل أكبر فشل ميداني يواجه المخابرات منذ إنشاء دولة إسرائيل.
و حذر بخوف رئيس لجنة الخارجية و الأمن في الكنيست قائلا:
" يجب أن لا ننسى أن المهندس خلف وراءه جيلاً شابًا من المهندسين الذين تعلموا منه نظرية تصنيع المتفجرات، و لذلك يجب أن نستعد جيدًا لمنع العمليات الانتحارية و مواصلة نشاطات تصفية تلاميذ المهندس في الضفة الغربية و قطاع غزة".

يحيى عياش الذي ينحدر من عائلة فلسطينية محافظة من قرية رافات جنوب غرب مدينة نابلس، ولد عام 1966م، و كان متميزًا منذ طفولته بتحقيق الدرجة الأولى في جميع مراحله الدراسية، حصل على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة بير زيت في مدينة رام الله، تزوَّج بعد تخرجه من ابنة عمته، و رزقه الله ولده البكر "البراء"، ثم "يحيى" قبل استشهاده بأسبوع تقريبًا. 
عياش صاحب ذلك الغموض الذي رافقه طوال حياته كان يتمتع المهندس بالسرية المطلقة، يعرفه و يحبه الجميع و لكن ما يدور برأٍسه لا يعلمه إلا القليلون، كان دائم الحذر و يتخذ كل التدابير الأمنية في تحركاته، يقوم بتغيير شكله تارة، و تزوير هويته تارة أخرى، دوخ العدو الصهيوني و أرق أجهزته الأمنية مما جعل اسمه في أعلى قائمة المطلوبين الأمنيين و أخطرهم و المطلوب رقم واحد. 
و خلال الإنتفاضة الأولى عام 1987م التي اندلعت شرارتها في قطاع غزة عقب قيام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز إيريز، انضم عياش إلى حركة حماس منذ انطلاقتها و بدأت عبقريته جلية عام 1992م بعد أن أحدث منعطفا في تاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي من رمي الحجر إلى إعداد السيارات المفخخة و العبوات شديدة الانفجار و إرسال الإستشهاديين. 

عياش أول من صنع عبوة متفجرة محلية عام 1992م، ما بناه و أسسه لم يضع سُدىً، فهو أسس كتيبة كبيرة من الاستشهاديين، بالإضافة إلى مدرسة خرجت طلابا في كافة أرجاء الوطن فلسطين. 

مجاهدون ساروا على درب العياش و إخوانه، صانوا الأمانة و نجحوا في إكمال المسيرة رغم غياب القائد عنهم، قاهرين الجيش الذي يدعي أنه لا يقهر، يخططون ليلًا نهارًا من أجل إعادة الوطن السليب، و طوروا وسائلهم و أساليبهم فأصبح للصاروخ مداه و للنفق رعب زرعه المجاهدون بعمق الكيان. 

و لكل بطل نهاية و بعد أن نجا عياش من عشرات محاولات الاغتيال، و بعد أن انتقل من الضفة إلى قطاع غزة ناقلا معه تجربته الفريدة استطاع العميل كمال حماد من ايصال العدو إلى حلمه، من خلال وضع عبوة ناسفة تزن 50 جراما في هاتف نقَّال يضطر المهندس لاستخدامه أحيانا، فكانت كلمته الأخير "كيفك يابا"، عبوة مع صغر حجمها استطاعت أن تهمش رأس المهندس الأول الذي دمر نفسية العدو و شتتهم سنوات و زرع الموت في كل تفاصيل حياتهم، هذا العقل الذي خطط للعديد من العمليات الإستشهادية و قتل العشرات و جرح المئات.
عياش ما زالت كلماتك خالدة في كل نفس مقاوم و مجاهد يا من قلت يوما: 
"مستحيل أن أغادر فلسطين، فقد نذرت نفسي لله ثم لهذا الدين، إما نصر أو استشهاد، إن الحرب ضد الكيان الصهيوني يجب أن تستمر إلى أن يخرج اليهود من كل أرض فلسطين"، كلمات قالها و رددها المهندس و رددها من بعده تلامذته فعياش حي لم يمت، و كما انتقم عياش لاغتيال عماد عقل، جاء بعد إستشهاده حسن سلامة بعمليات الثأر المقدس انتقاما للمهندس… 

عشرون عاماً و عياش لم يمت...
عياش قادم...


google-playkhamsatmostaqltradent