تشهد طبيعة الصراع المسلح تحولاً جذرياً مع دخول عناصر رقمية ولافتة للانتباه إلى ساحة القتال. حروب الجيل الخامس لا تقتصر على الاستخدام المكثف للأسلحة المتقدمة، بل تعيد تعريف مفهوم الحرب نفسه: من تبادل نيران إلى السيطرة على المعلومات، التشويش على القرارات، والتحكم في الإدراك العام. في قلب هذا التحول يقف الذكاء الصناعي (AI) والطائرات غير المأهولة/المسيرات (UAVs / Drones) كأدوات مركزية تُعيد تشكيل الاستراتيجيات والتكتيكات على المستويات التقنية والسياسية والأخلاقية.
1. السياق التاريخي والتطوّر المفاهيمي
• الجيل الأول حتى الرابع: بدأت الحروب كتبادل مباشر للقوة (مشاة، فرسان)، ثم تطورت مع الثورة الصناعية إلى الاعتماد على المدفعية، الطيران، ثم الحروب الشاملة والتكنولوجية في القرن العشرين.
• الانتقال إلى الجيل الخامس: يركز على الاستحواذ والتحكم بالمعلومة وبتجربة المجتمع/العدو، عبر تقنيات غير مباشرة (حرب سيبرانية، حملات تضليل، استغلال الخوارزميات) إضافة إلى استخدام منصات ذكية أقل ظهورًا على الساحة التقليدية.
2. ملامح حروب الجيل الخامس
• الهيمنة على الفضاء المعلوماتي: السيطرة على تدفق المعلومات، تخصيص السرد، وزرع الشك داخل المجتمعات.
• أتمتة القرار الميداني: أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات تكتيكية سريعة (أو شبه مستقلة) استنادًا إلى تحليل آني للبيانات.
• تكامل مجالات القتال: المزج بين الهجمات السيبرانية، الحرب الإلكترونية، الضربات التقليدية والمسيرات في هجوم متزامن متعدد الأبعاد.
• اللاخطية والانتشار: استخدام منصات صغيرة وغير مكلفة (مثل المسيرات الصغيرة) لتجزئة القدرات الدفاعية التقليدية.
3. الذكاء الصناعي: أنماط الاستخدام والتقنيات الأساسية
3.1 أنواع الذكاء الصناعي المستخدمة
• التعلم الآلي (ML) والتعلم العميق (Deep Learning): للتعرف على الأنماط، تصنيف الصور، واستخلاص الاستنتاجات من مستودعات بيانات ضخمة.
• معالجة اللغة الطبيعية (NLP): لاستخراج الرؤى من النصوص، مراقبة وسائل التواصل، وتوليد رسائل مُوجَّهة.
• الخوارزميات التنبؤية: لتقدير تحركات الخصم أو توقع الاحتياجات اللوجستية.
• أنظمة صنع القرار الآلي (Autonomous Decision Systems): تنفذ إجراءات محددة على مستويات مختلفة من الاستقلالية.
3.2 مهام الذكاء الصناعي في النزاع
• الاستخبارات والبحث: دمج صور الأقمار الصناعية، بيانات الاستشعار، ومحتوى الشبكات الاجتماعية لاستخراج معلومات استخباراتية.
• التعرف والتتبع: تمييز الأهداف وتتبّعها في الزمن الحقيقي.
• توجيه الضربات: تحسين دقة الإصابة عبر دمج المعلومة الآنية.
• الحرب النفسيّة/المعلوماتية: إنتاج حملات تضليل مُخصّصة عبر استهداف شرائح مُعينة من الجمهور.
4. المسيرات: تصنيف وتطوّر القدرات
• تصنيف حسب الحجم والمهمة: مسيرات صغيرة (ميكرو/ميني) للاستطلاع والمهام الكاميكازي، متوسطة للهجمات الدقيقة، وكبيرة للمهام الاستخباراتية المطولة.
• سرب المسيرات (Swarms): مجموعات مسيرة تعمل بتنسيق ذاتي باستخدام خوارزميات تجمعية (swarm intelligence) لتنفيذ مهام معقّدة، إرباك الدفاعات، أو إغراق أنظمة الردع.
• التقنيات التكميلية: مستشعرات متقدمة (كاميرات متعددة الطيف، رادار صغير، ليدار)، وصلات بيانات مؤمنة، وأنظمة توجيه متعدّدة (GPS/بصري/ملاحي بالقصور الذاتي).
5. التكامل العملي: كيف يعملان معًا في ساحة المعركة
• المسيرات تجمع بيانات استشعارية تنقلها إلى منصات تحليلية تعمل بالذكاء الصناعي.
• الذكاء الصناعي يحلل البيانات، يحدّد أولويات الأهداف، ويوجهه لمسيرات أو أنظمة أخرى.
• مجموعات المسيرات قد تتوزع مهامها (قادة تكتيكيون، طائرات إغراق، طائرات تفتيش) وتنسق عبر شبكات موزعة ذات تكرر منخفض لتقليل القابلية للاعتراض.
6. مضادات وتقنيات التصدّي
• الحرب الإلكترونية (EW): تشويش/تلغيم إشارات الاتصالات وGPS.
• التشويش السيبراني: استهداف أنظمة القيادة والتحكم لمنع استغلال الذكاء الصناعي.
• أسلحة مضادة للمسيرات: نظم لاسلكية، ليزرية، وأسلحة كهرومغناطيسية لشل توان المسيرات.
• التعرف المضاد والتحقق: استخدام خوارزميات تكشف التزييف العميق (deepfakes) والمعلومات المفبركة.
• التكتيكات البشرية: تعزيز التأثير البشري في حلقرارات الحسّاسة لمنع أخطاء الاعتماد الكلي على الأنظمة.
7. الأبعاد القانونية والأخلاقية
• مشروعية استخدام الأنظمة المستقلة القاتلة (LAWS): جدل حول مدى جواز السماح لأنظمة آلية باتخاذ قرار القتل دون إشراف بشري.
• الالتزام بقانون النزاعات المسلحة (LOAC): مبدأ التمييز والتناسب والمسؤولية الجنائية. من يحمّل المسؤولية عند خطأ نظام ذاتي؟ المشغّل؟ المبرمج؟ المصنع؟
• الخصوصية وحقوق الإنسان: استخدام تقنيات المراقبة والتحليل قد ينتهك الحقوق المدنية في زمن السلم وحتى أثناء النزاع.
• أخلاقيات الحرب النفسية الرقمية: تضليل الشعوب له تأثيرات طويلة الأمد على النسيج الاجتماعي.
8. أمثلة تطبيقية وتجارب سابقة (نظريًا وعلى مستوى العالم)
• استخدمت مسيرات مُسلّحة ومزودة بمستشعرات في نزاعات إقليمية لإقامة هيمنة ميدانية محدودة (تجارب في العقد الماضي تُظهِر دور المسيرات في تقليل تكلفة العمليات وتغيير قواعد المعركة).
• تجارب على استخدام الذكاء الصناعي في الاستخبارات، خصوصًا لتحليل كم هائل من مصادر المفتوحة (OSINT) لتحديد أهداف وإطلاق تنبيهات.
(ملاحظة: الأمثلة التاريخية والتطبيقية تتفاوت بحسب المصادر والسياسات العسكرية لكل دولة؛ يمكن تزويدك بحالات واقعية مفصّلة ومراجع محددة عند الطلب.)
9. المخاطر الاستراتيجية والسيناريوهات المستقبلية
• سباق تسلّح تقني: يمكن أن يدفع انتشار هذه الأدوات إلى سباق تسلح بين القوى الإقليمية والعالمية.
• بانوراما التهدّد المشتت: ظهور مجموعات غير حكومية قادرة على استغلال المسيرات والذكاء الصناعي لشن هجمات منخفضة التكلفة وعالية الأثر.
• الأخطاء الذاتية: قرارات خاطئة لنظم أو خوارزميات قد تؤدي إلى تصعيد غير مقصود.
• التقلب في الردع: تهافت أنظمة الردع التقليدية أمام تكتيكات متوزعة وغير مركزية.
10. توصيات لصانعي القرار والمجتمع المدني
1. تبنّي أطر تنظيمية واضحة: وضع قيود على الأنظمة القاتلة المستقلة مع متطلبات إشراف بشري.
2. الشفافية والامتثال الدولي: تعزيز حوارات دولية لوضع معايير التشغيل الآمن والمسؤولية القانونية.
3. الاستثمار في مضادات وتقنيات كشف: تطوير دفاعات إلكترونية ومادية فعّالة ضد هجمات المسيرات والحرب الرقمية.
4. التعليم والتوعية: تدريب صنّاع القرار على فهم إمكانيات وحدود الذكاء الصناعي في سياق أمني.
5. تعزيز التعاون بين القطاع العام والخاص: لربط خبرات شركات التكنولوجيا مع متطلبات الأمن القومي مع وضع ضوابط أخلاقية.
6. حماية الفضاء المعلوماتي للمواطنيين: قوانين واضحة تمنع استغلال بيانات الأفراد لأغراض الحرب النفسية.
ان حروب الجيل الخامس تضع العالم أمام تحدٍ مركب: كيف نوازن بين الاستفادة من تقنيات قوية لتحسين الأمن والحفاظ على القيم الإنسانية والقانونية؟ الذكاء الصناعي والمسيرات يغيران معادلات القوة ويخفضان عتبة الاستخدام القتالي، ما يتطلب استجابة متكاملة تجمع بين تقنيات مضادة، أطر قانونية، وأخلاقيات واضحة. المستقبل لن يكون فقط لمن يملك التكنولوجيا، بل لمن يملك القدرة على تنظيمها.
الاء عليان

