recent
أخبار ساخنة

حين خمدت النيران وبقي الألم



*فؤاد الحسين / عضو السكرتاريا العامة المركزية لأشد*


انتهت حرب الإبادة في غزة، لكنّ آثارها لا تزال تنزف في الذاكرة وفي الحياة اليومية لأهلها. فبعد شهورٍ من القتل والتدمير والتجويع، خرجت غزة من الحرب مثخنةً بالجراح، تحمل فوق أنقاضها ما تبقّى من الحياة والإنسان.


لقد عاش الأطفال والنساء والشيوخ واقعًا مريرًا جمع بين الموت والجوع والحرمان، في أبشع صور انتهاكٍ لحقوق الإنسان. فالمجازر التي طالت الأبرياء حوّلت القطاع إلى مقبرةٍ جماعيةٍ مفتوحة، ودمّرت ما تبقّى من مقوّمات البقاء، تاركةً وراءها مجتمعًا يواجه الكارثة بقلوبٍ مكلومةٍ وأيدٍ عارية.


لقد كان الأطفال الضحيةَ الأولى لهذه الحرب، يُقتلون تحت الأنقاض، ويُحاصرون بالجوع والأمراض وانعدام الدواء والماء الصالح للشرب. مشاهد الأجساد الصغيرة الممزقة والعيون الغارقة في الخوف والجوع ما زالت شاهدة على جريمةٍ لم تُمحَ بانتهاء الحرب، جريمةٍ تمثّل قتل الإنسانية نفسها.


وما جرى في غزة لم يكن مجرد حرب، بل انتهاكٌ صارخ لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية التي وُضعت لحماية المدنيين زمن النزاعات، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل. لكنّ هذه النصوص بقيت حبرًا على ورق أمام آلة الحرب الإسرائيلية التي لم تعبأ بالقانون الدولي ولا بنداءات المنظمات الإنسانية.


الأشدّ إيلامًا هو أنّ الصمت الدولي ما زال مستمرًا حتى بعد انتهاء القتال، والاكتفاء ببيانات شكلية لا تواسي ضحايا الحرب ولا تعيد الحياة إلى من فقدوها. فبينما يسارع العالم إلى محاسبة المعتدين في نزاعاتٍ أخرى، تُترك غزة وحيدةً في مواجهة الدمار والجوع، وكأنّ دماء الفلسطينيين أقلّ شأنًا، وكأنّ حقوقهم ليست جزءًا من منظومة حقوق الإنسان التي يتغنّى بها العالم.


إنّ مأساة غزة بعد الحرب ليست قضية فلسطينية فحسب، بل قضية إنسانية وأخلاقية كبرى تمتحن ضمير العالم بأسره. فاستمرار الحصار والتجويع والحرمان من الإعمار هو وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء، ودليلٌ على انهيار القيم التي طالما ادّعى المجتمع الدولي الدفاع عنها.


ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل انتهت الحرب فعلًا، أم أنّها ما زالت مستمرة بأشكالٍ أخرى؟
وإلى متى سيُسمح بقتل الإنسانية في غزة دون حسابٍ أو عقاب؟
google-playkhamsatmostaqltradent