لا يكتفي بإنتاج صور جميلة مستقلة، بل يبني تسلسلاً مترابطًا من المشاهد المتناسقة بالأسلوب نفسه (Getty)
لم تعد صناعة الصور والمحتوى البصري كما كانت من قبل. أصبح بإمكانك اليوم التقاط صورة واحدة فقط وتحويلها خلال ثوانٍ إلى مجموعة من اللقطات السينمائية المتقنة لتبدو وكأنها مأخوذة من فيلم احترافي. هذا ما تقدّمه تقنية Gemini 2.5 Flash Image من غوغل، المعروفة بالاسم الرمزي “Nano Banana”. واللافت أنّ هذا الاسم لم يُعدّ للتسويق في الأساس، بل بدأ كتسمية داخلية بين فرق التطوير، قبل أن يصبح علامة تجارية رسمية داخل Google AI Studio.
من صورة واحدة إلى مشهد متكامل
على عكس أدوات توليد الصور المعروفة مثل Midjourney و DALL·E 3، يقدّم Nano Banana بُعدًا مختلفًا؛ إذ يحافظ على الاستمرارية البصرية بين اللقطات. لا يكتفي بإنتاج صور جميلة مستقلة، بل يبني تسلسلًا مترابطًا من المشاهد المتناسقة بالأسلوب نفسه. يمكنك مثلًا رفع صورة واحدة وطلب لقطات متنوّعة للمشهد ذاته: نسخة ليلية أكثر درامية، وزاوية من فوق الكتف، ولقطة مقرّبة تبرز تفاصيل الوجه، إلى جانب لقطة واسعة تحاكي منظور الطائرات من دون طيار.
النتائج لافتة، إذ يحافظ Nano Banana على تفاصيل الملامح بدقة عالية ويضمن تناسق الإضاءة والألوان عبر جميع اللقطات، فتبدو كأنها صُوِّرت بكاميرات متعددة في الموقع نفسه. هذه القدرة تُحدث نقلة نوعية في أسلوب العمل؛ إذ بات يمكن تحويل صورة واحدة إلى لوحة قصصية متكاملة خلال دقائق. ويمكن توسيع الاستثمار في هذه اللقطات عبر إدخالها إلى أدوات مثل Veo 3 من غوغل لتحريك الصور وتحويلها إلى مقاطع قصيرة، ثم دمجها في المونتاج للحصول على فيديو متكامل بجودة احترافية.
هل Nano Banana قاتل فوتوشوب؟
سرّ تفوّق Nano Banana ينبع من بنيته المعتمدة على Gemini 2.5 Flash، المصمَّمة للجمع بين السرعة والوعي بالسياق والتناسق البصري. ومع ذلك يبقى السؤال مشروعًا: هل يستطيع أن يحلّ محل فوتوشوب؟ الجواب حتى الآن: ليس بالكامل، لكنه يغيّر المعادلة جذريًا. فهو قادر على إجراء تعديلات عميقة خلال ثوانٍ وبصورة تبدو طبيعية؛ مثل استبدال عنصر بعنصر آخر أو تعديل الإضاءة والظلال بما يلائم المشهد الجديد، لتبدو النتيجة كأنها صُوِّرت في البيئة نفسها. هذا النوع من العمل يتطلّب في فوتوشوب مهارات احترافية، أقنعة (Masks) وطبقات متعددة وضبطًا يدويًا دقيقًا للظلال والإضاءة، بينما ينجزه Nano Banana تلقائيًا وبسرعة كبيرة.
مع ذلك، يظل فوتوشوب متفوّقًا حين نحتاج تحكمًا كاملًا بدقّة الصورة (البكسل)، أو معالجة تفاصيل هندسية دقيقة، أو تجهيز ملفات عالية الجودة للطباعة. كذلك لا تزال قدرات Nano Banana في إضافة النصوص داخل الصور محدودة مقارنةً بفوتوشوب، إذ قد يتعثر في إنتاج خطوط نظيفة أو نصوص معقّدة بالدقة المطلوبة.
يمكن القول إن Nano Banana ليس قاتلًا لفوتوشوب بعد، لكنه قفزة هائلة في تسريع سير العمل الإبداعي وفتح آفاق جديدة لصناعة المحتوى البصري السريع دون الحاجة إلى خبرة كبيرة في التصميم.
القوة والقيود
رغم إمكانياته الثورية، لا تزال هناك تحديات. فالنتائج شديدة الحساسية لصياغة الأوامر؛ إذ يمكن لتعديل بسيط في الكلمات أن يغيّر النتائج كليًا. أما عند طلب زوايا تصوير دقيقة أو معقّدة، فقد تفضّل الأداة التفسير الفني على التنفيذ الحرفي للتعليمات.
في جلسات الاستخدام المطوّلة، قد تظهر حالة من "ثبات النمط"، حيث تكرّر الأداة عناصر أو وضعيات سابقة، ما يستدعي إعادة ضبط السياق لاستعادة التنوّع. كما يُنصح دائمًا بالبدء بصورة عالية الوضوح للحصول على نتائج دقيقة وقابلة للتطوير.
وعند التعامل مع النصوص داخل الصور، تظل أدوات التصميم التقليدية مثل فوتوشوب الخيار الأفضل، نظرًا لصعوبة توليد خطوط نظيفة أو نصوص طويلة بدقة داخل Nano Banana.
ومع ذلك، لا تُعدّ هذه القيود نقاط ضعف بقدر ما تعكس طبيعة الأداة الإخراجية؛ فالعمل معها يشبه إدارة مشهد سينمائي أكثر من كونه مجرد توليد صورة. والنتائج الأفضل تتحقّق حين تكون التوجيهات موجزة، واضحة، ومدروسة، بدل الإغراق في التفاصيل أو الإفراط في الوصف.
ثورة في صناعة المحتوى
تظهر قوة Nano Banana أكثر عند الانتقال من الصورة إلى الفيديو. لأن اللقطات تحمل الهوية البصرية نفسها، يسهل دمجها في أنظمة تحويل الصور إلى فيديو للحصول على مشاهد متحركة طبيعية تبدو كأنها صُوِّرت بكاميرا واحدة. وهذا يغيّر قواعد اللعبة في الإعلانات القصيرة ومقاطع تيك توك وإنستغرام والفيديوهات الموسيقية والعروض التقديمية للعملاء. ما كان يتطلّب مصوّرين ومصممين وخبراء مونتاج، يمكن اليوم أن ينجزه صانع محتوى واحد خلال ساعات قليلة. وعلى مستوى التسويق، يتيح هذا النهج بناء حملات متكاملة بسرعة: تبدأ بصورة واحدة لمنتج، وتتفرّع إلى عشرات اللقطات المتّسقة، ما يخفض التكاليف ويُبقي الهوية البصرية للعلامة ثابتة عبر القنوات.
ما يقدّمه Gemini 2.5 Flash Image لا يختصر الإبداع، بل يقدّم حلًا عمليًا لإحدى أكبر التحديات التي تواجه صنّاع المحتوى: الحفاظ على التناسق البصري وثبات الأسلوب عبر لقطات متعددة تحاكي ملامح الوجه وسمات الصورة الأصلية. اليوم، يمنح Nano Banana الأفراد والفرق الصغيرة قدرة استثنائية على إنتاج محتوى متّسق واحترافي، كان إنجازه في السابق يتطلّب موارد ضخمة وأيامًا من العمل اليدوي. والأهم أنه لا يزال متاحًا مجانًا، مما يفتح فرصة مثالية لتجربته قبل أن يتحوّل مستقبلاً إلى خدمة مدفوعة.

