في كلمة مصورة بثت عبر منصة "إكس" بالتزامن مع انعقاد الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر اعتراف بلاده بدولة فلسطين إلى جانب ما أسماه بـ"دولة إسرائيل"، في خطوة وصفها بأنها تهدف إلى "إبقاء عملية السلام ممكنة". هذا الإعلان، وعلى الرغم من أهميته السياسية والدبلوماسية، إلا أنه لا يمكن فصله عن السياق التاريخي والواقع المأساوي الذي يعانيه الشعب الفلسطيني منذ أكثر من قرن، والذي كانت بريطانيا أحد أبرز مسببيه.
يأتي هذا الاعتراف المشروط والمتأخر كحلقة جديدة في سلسلة طويلة من السياسات البريطانية التي ساهمت في مأساة الشعب الفلسطيني، بدءاً من "وعد بلفور" المشؤوم عام 1917، والذي منحت فيه بريطانيا من لا يملك وعداً لمن لا يستحق، مروراً بفترة الانتداب البريطاني التي فتحت أبواب فلسطين أمام المهاجرين الصهاينة، وزودتهم بالدعم السياسي واللوجستي، وصولاً إلى دعمها المستمر لدولة الاحتلال سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وتوفير الغطاء الدبلوماسي لها في كافة المحافل الدولية.
إن الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني لم تنتهِ بانتهاء الانتداب أو إعلان قيام "إسرائيل"، بل استمرت بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال دعمها المتواصل لسياسات الاحتلال، وتبريرها لجرائم الحرب، وتغاضيها عن المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ،والقدس وعموم الأرض الفلسطينية ، وكذلك في عدوانه المتواصل على العديد من دول وشعوب المنطقة ، واليوم بينما يتعرض قطاع غزة لحرب إبادة وتطهير عرقي، تواصل بريطانيا توفير كل اشكال الدعم للاحتلال، ما يجعل من هذا "الاعتراف" لا يتعدى مجرد محاولة لتجميل الصورة أمام المجتمع الدولي، لا أكثر.
إن آثار الجريمة التاريخية التي ارتكبتها بريطانيا بحق فلسطين أرضاً وشعباً ومقدسات، والدم الفلسطيني الذي ما زال يُراق حتى يومنا هذا، سيظل وصمة عار تطارد الحكومات البريطانية المتعاقبة، وكل القوى الاستعمارية الغربية التي دعمت الاحتلال وأجهضت حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستعاده كامل حقوقه التاريخية المغتصبة. وإذا كانت الحكومة البريطانية جادة فعلًا في تصحيح مسارها التاريخي، فعليها أن تبدأ بسحب اعترافها بدولة الكيان الغاصب، والاعتراف الكامل وغير المشروط بدولة فلسطين على كامل ترابها الوطني، وتقديم الدعم الكامل للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه، وفي مقدمتها حق العودة، وإنهاء الاحتلال، وطرد المستوطنين واعادتهم من حيث اتوا، وتمكين الفلسطينيين من بناء دولتهم المستقلة على كامل ترابهم الوطني.
ليس هذا الاعتراف "منة" من أحد، بل هو ثمرة لنضال طويل وشاق خاضه الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من مئة عام، دفع خلاله أثمانًا باهظة من دماء أبنائه . وسيستمر هذا النضال، رغم كل التحديات والمؤامرات، حتى استعادة كامل الحقوق الوطنية المشروعة، وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وتحقيق الحلم الفلسطيني في إقامة دولته الحرة المستقلة .
إن العدالة لا تتحقق ببيانات سياسية فارغة، بل بإجراءات عملية تعيد الحقوق لأصحابها وتضع حدًا لعقود من الظلم والاحتلال.
