*بدأت المذبحة من ظهر يوم 15/9/1982 حتى مساء 18/9/1982*
علي هويدي*
آثار المذبحة البشعة ستبقى حاضرة من خلال وجود المخيم الشاهد، ومن الناجين من اللاجئين الفلسطينيين وغيرهم من الجنسيات، ومن خلال وجود ومعرفة القاتل، ونُصب المقبرة الرمز في ضواحي المخيم التي تحولت إلى مزار سنوي يقصده المتضامنون من مختلف دول العالم.
حاضرة كذلك من خلال روايات الضحايا التي تتناقلها الأجيال، والشهادات التي نقلها فلسطينيون وعرب وأجانب وما كتب على مدار 43 سنة، وهذا وحده كفيل لأن يساق الجاني إلى العقاب ولو بعد حين.
ومن الشهادات البارزة على ارتكاب المذبحة:
المفكر والكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي قال عن المذبحة "تتحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية عن المجزرة فهي من أعطت الضوء الأخضر للإسرائيليين باجتياح لبنان في العام 1982، وغدرت بالحكومة اللبنانية وبالفلسطينيين حين أعطت الطرفين ضمانات بسلامة الفلسطينيين بعد مغادرة الفدائيين بيروت، إلا أن القوات الأمريكية انسحبت قبل أسبوعين من انتهاء فترة تفويضها الأصلية بعد الإشراف على مغادرة مقاتلي منظمة التحرير، قبل أن توفر الحماية للسكان المدنيين.. فوقعت المجزرة، ورفضت أمريكا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باستنكار المذبحة".
أما لجنة برايد المستقلة التي تشكلت مباشرة بعد ارتكاب المذبحة من رجال قانون بارزين من أمريكا (ريشارد فولك)، وبريطانيا (براين بيركوسون)، وفرنسا (جيرو دولابرادال)، وألمانيا (ستيفن وايلد)، وايرلندا برئاسة المحامي الايرلندي شون ماك برايد والتي سميت اللجنة باسمه فقد ذكرت أن "إسرائيل ساهمت في التخطيط والتحضير للمذبحة، ولعبت دوراً في تسهيل عمليات القتل من الناحية الفعلية، وبالتالي تتحمل المسؤولية الأولى عن المذبحة، فهي مسؤولة عن حماية السكان طبقاً لاتفاقيات جنيف لعام 1949 التي وقّع عليها الاحتلال وأصبحت ملزمة له بمحاكمة الأشخاص مرتكبي هذه الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم، وتعتبر الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأن مرتكبيها أو المساهمين فيها بأي طريقة من الطرق يتحملون مسؤوليتها فردياً، ومن واجب الدول معاقبة الأفراد أو المنظمات المتهمة بهذه الجرائم وتتحمل السلطات السياسية الإسرائيلية والعسكرية وخاصة شارون والضباط الكبار الذين كانت لهم علاقة بلبنان المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي ارتكبت في صبرا وشاتيلا، وأن ميليشيات الكتائب بقيادة إيلي حبيقة قامت بدور المنفذ للمذابح."
ومن جهته قال الكاتب والصحفي الفرنسي آلان منراغ مؤلف كتاب "أسرار الحرب على لبنان": "بدأت مذبحة صبرا وشاتيلا من ظهر يوم 15/9/1982 حتى مساء 18/9/1982، وبدأتها وحدات الاستطلاع من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي الغازية بقتل 63 مدنياً فلسطينياً في اليوم الأول، ولتنسحب تلك الوحدات وتسلم مهام إستكمال ارتكاب المجزرة لأدوات الاحتلال من مليشيات لبنانية، ليقتحم المخيم 350 عنصراً في 16/9/82 ليرتكبوا وعلى مدار 43 ساعة واحدة من أبشع المجازر في القرن العشرين بحق النساء والأطفال والشيوخ من المدنيين العزل".
بينما المؤرخة الفلسطينية الدكتورة بيان نويهض الحوت فقد ذكرت في كتابها "صبرا وشاتيلا أيلول 1982" بأنه قد "ذهب ضحية المذبحة حوالي 4500 شهيد من 12 جنسية حسب شهادة الكاتب الأمريكي رالف شونمان أمام لجنة أوسلو في تشرين أول 1982، ولا يزال 484 من الضحايا بحكم المخطوف أو المفقود، ولم يعد أي منهم حتى الآن، وتدمير جزء كبير من المخيم".
أما الكاتب الفلسطيني ابن مخيم شاتيلا محمود كلّم في كتابه "مخيم شاتيلا، الجراح والكفاح" فقد قال بأن "معظم شهداء المذبحة من اللاجئين الفلسطينيين، يليهم اللبنانيين والسوريين والمصريين والإيرانيين والباكستانيين والبنغلاديشيين والأردنيين والأتراك والسودانيين ومكتومي القيد وشهيدة جزائرية هي أمال عبد القادر يحياوي (25 سنة) والشهيد التونسي، صالح ولقبه أبو رقيبة (65 سنة)، وشهيد تنزاني هو عثمان ولقبه عثمان السوداني (25 سنة)".
وذكر كلّم بأنه "مهما كُتب وسيُكتب عن مجزرة صبرا وشاتيلا فسوف تبقى نبعاً لآلاف القصص المأساوية وستظل جرحا يأبى أن يندمل. مجزرة صبرا وشاتيلا جريمة لا تزال حرقتها تحت رماد الأيام وبعض القبور تنتظر العدالة أفراداً وجماعات".
ويوثق كلّم شهادة ميلانة بطرس وهي لبنانية مسيحية – مارونية من بلدة مزيارة قضاء زغرتا، متزوجة من الفلسطيني علي ابراهيم البرجي: "في المجزرة فقدت زوجي علي البرجي مواليد 1937 وابني قاسم مواليد 1967 وابن سلفي علي مواليد 1968. انا من مواليد مزيارة سنة 1939، كان عندنا أحد عناصر الجيش من أقاربنا عملت له شاي لكن فجأة الجيش اللبناني انسحب ما بعرف لوين راحوا، إجوا الإسرائيلية يوم الخميس قبل وقوع المجزرة، كانت بنت صغيرة عمرها حوالي 14 سنة اسمها رجاء رمضان فلسطينية كانت تشرب ماء عند تمثال حسن سلامة أول مفرق صبرا قتلوها الإسرائيليين وهي تشرب الماء، أطلقوا الرصاص على راسها وقتلت على الفور ثم حملها عبد الرحمن الخطيب استشهد في المجزرة لاحقا".
وقد ذكر الصحفي والكاتب البريطاني روبرت فيسك بأن "مجزرة صبرا وشاتيلا من أعظم جرائم القتل الجماعي التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط في التاريخ الحديث".. وغيرها من الشهادات..
لم يشفع للمخيم بأنه من المفترض أن يكون تحت حماية دولية لوجود اللاجئين الفلسطينيين فيه تحت رعاية وكالة الأونروا، لا بل أن كاتب المقال قد رجع إلى أرشيف المرحلة عله يجد شيء مرتبط بالمذبحة وأي موقف من وكالة الأونروا فلم يعثر على شيء وهو الأمر المستغرب.
بعد مرور 43 سنة على المذبحة، لا بد من الكشف عن مصير المفقودين وإعادة الاعتبار للضحايا الشهداء وللناجين، وحتى لا يتكرر هدر الدم الفلسطيني الذي لا يتوقف منذ عقود، وتكريس لسياسة عدم الإفلات من العقاب، يجب محاكمة ومعاقبة وملاحقة المجرمين المسؤولين عن ارتكاب المجزرة وكافة المجازر السابقة والحالية بحق شعبنا الفلسطيني حيث يرتكب الاحتلال اليوم إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية بحق شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ويمارس عمليات التهجير القسري..، فجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بتقادم الزمن.
لذلك مطلوب بالدرجة الأولى تحرك دبلوماسي فلسطيني في الأمم المتحدة للضغط على الدول الأعضاء لتضغط بدورها على كيان الاحتلال للكشف عن وثائق الصوت والصورة التي يحتفظ فيها الاحتلال ومعرفة مصير المفقودين أثناء ارتكاب المذبحة، يرافق ذلك حراك سياسي فلسطيني وتحرك مدني فلسطيني وعربي وعالمي مؤثر تقوده منظمات المجتمع المدني لا سيما الحقوقية منها...!
*مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين
بيروت في 15/9/2025

