18\8\2025
أبو شريف رباح
منذ عقود يشكل ملف اللاجئين الفلسطينيين حجر الزاوية في القضية الفلسطينية حيث تبقى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" الشاهد الحي على النكبة الفلسطينية وحق العودة، كما أن القرارات الأممية وفي مقدمتها القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين والقرار 194 الذي ينص صراحة على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم إلى جانب قرار تشكيل الأونروا باعتبارها المؤسسة الأممية الوحيدة التي أنشئت خصيصا لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين جميعها تشكل مرجعية قانونية وسياسية لا يمكن شطبها.
لكن إسرائيل وأميركا حاولتا مرارا الالتفاف على هذه القرارات منذ عهد جورج بوش الأب والابن حين سعيا لإلغاء الأونروا وفشلا في ذلك. أما اليوم فتعود المحاولة ذاتها بوسائل جديدة أكثر خطورة إذ تكشف السياسات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة عن توجه يرمي إلى إنهاء عمل وكالة الأونروا واستبدالها بمؤسسات بديلة أبرزها ما يسمى "مؤسسة غزة الإنسانية".
هذه المؤسسة التي أُسست من قبل المخابرات الأمريكية في شباط 2025 وبدعم مباشر من الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب وبمباركة حكومة الاحتلال الإسرائيلي لتتولى بحسب الرواية الأمريكية مهمة توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة بعد استهداف الاحتلال لمراكز وموظفي الأونروا وإغلاق مكاتبها في القدس المحتلة.
لكن خلف هذه الشعارات الأمريكية البراقة تكمن الحقائق الصادمة إذ إن عمليات التوزيع التي تديرها المؤسسة تتم تحت إشراف مباشر من الجيش الإسرائيلي حيث تستدرج الحشود الفلسطينية إلى نقاط توزيع تقع تحت مرمى قناصة جيش الاحتلال مما أدى إلى استشهاد المئات وإصابة الآلاف من المدنيين الجائعين الذين كانوا يبحثون عن لقمة العيش وبذلك تتحول المساعدات إلى أداة قتل جماعي جديدة تستخدم لتكريس سياسة التجويع والإبادة البطيئة للسكان.
الأخطر من ذلك أن واشنطن قررت تخصيص 500 مليون دولار لمؤسسة غزة الإنسانية وبالمقابل أوقفت تمويلها للأونروا الذي يبلغ 380 مليون دولار سنويا ومارست ضغوطا كبيرة على الدول المانحة للتخلي عن دعم وتمويل وكالة الأونروا، هذا التحول لا يمكن قراءته إلا باعتباره محاولة لتصفية الأونروا المؤسسة الوحيدة التي تجسد الاعتراف الدولي باللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية وعلى رأسها حق العودة إلى فلسطين.
وتعزز هذه المخططات الشكوك حول وجود خطة متكاملة لإعادة رسم خريطة الوجود الفلسطيني سواء عبر تقليص خدمات الأونروا في الأقطار الخمسة أو عبر إشاعة أخبار عن دمج مدارسها وعياداتها وحتى فصل موظفيها وهي أخبار نفتها الوكالة لكن مجرد تداولها يكشف حجم الضغط الهائل الذي يمارس عليها.
إن السؤال الجوهري اليوم هو هل أصبح مستقبل اللاجئين الفلسطينيين على المحك، وهل تخطط أميركا وإسرائيل لتوطين فلسطينيي غزة والشتات في دول مثل السودان والصومال وإندونيسيا أو فرض توطين اللاجئين حيث يقيمون في محاولة لإنهاء قضيتهم الوطنية؟
الجواب يتضح من خلال تتبع السياسات الأمريكية الإسرائيلية الممنهجة من حصار وتجويع في غزة وتقويض للأونروا واستبدالها بمؤسسات مشبوهة تدار بتنسيق كامل مع الاحتلال كل ذلك يشير إلى أن ما يجري ليس مجرد إغاثة إنسانية بل هو جزء من مشروع سياسي خطير يرمي إلى شطب حق العودة وتصفية قضية اللاجئين وإنهاء حل الدولتين وفق المخطط الذي كشف عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اخيرا.
لذلك فإن مواجهة هذا المخطط تتطلب وعيا ووحدة وطنية فلسطينية وتكاتفا عربيا وإسلاميا ودوليا لحماية وكالة الأونروا لأنها ليست مجرد مؤسسة خدماتية فقط بل هي عنوان سياسي وقانوني لقضية اللاجئين الفلسطينيين التي لن تموت مهما حاولت أميركا وإسرائيل طمسها.

