recent
أخبار ساخنة

الحاج محمود ياسين... خادم الأحياء والأموات


مخيم البص - جنوب لبنان 27-08-2025

محمد سليمان عبد الرازق


الحاج محمود ياسين ابو مروان 


في زحمة الحياة وتعقيداتها، هناك رجال يمضون بصمت، يتركون أثرًا لا يُرى بالعين المجردة، بل يُحسّ في وجدان الناس. الحاج محمود ياسين، المعروف في المجتمع باسم محمود حمّام، هو واحد من هؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم لخدمة الآخرين، حيًّا وميتًا، دون ضجيج أو انتظار مقابل.

يعمل الحاج محمود في مجال الإسعاف، فيكاد لا يخلو يومه من إنقاذ مريض أو نقل محتاج إلى مستشفى. لكن عطاءه لا يتوقف عند حدود الحياة، بل يمتد إلى من رحلوا عنها، حيث يقدّم خدمات نقل الموتى وتغسيلهم، مؤديًا ما يُعد من أعظم القُربات بروحٍ مخلصة وعزيمة صلبة.

ليس مجرد عمل، بل هو رسالة. فأن تحمل جسدًا هامدًا وتغسّله وتكفنه وتُهيّئه لوداع الدنيا، يتطلب قلبًا نقيًا وروحًا مفعمة بالتقوى. وهذا ما يجسّده الحاج محمود في كل مرة يتعامل فيها مع المواقف التي يصعب على كثيرين مواجهتها.

خدماته تمتد لأبعد من الواجب، فهو حاضر في كل لحظة ألم وفقد، يواسي، يعين، وينظم، ليكون في نهاية المشهد سندًا للناس وطمأنينة لعائلات الراحلين.

إن سيرة الحاج محمود ياسين ليست مجرّد مهنة، بل درب طويل من العطاء الصامت، ترويه ألسنة الناس وتؤرّخه دموع الامتنان. في زمن قلّ فيه الحضور الإنساني الحقيقي، يسطع اسمه كعنوان للرحمة والتفاني.


ما يميز عمل الحاج محمود ليس مجرد المهارة والخبرة، بل منظومة قيم راسخة تنعكس في كل تصرف وموقف. يمكن تلخيص أبرز هذه القيم فيما يلي:

  • الرحمة: يتعامل مع الحالات الإنسانية، حيّة كانت أو راحلة، برقة مشاعر ورفق لا يمكن تعليمه، بل ينبع من قلب مؤمن ومُحب للناس.

  • الإخلاص: لا يؤدي واجبه كروتين وظيفي، بل كرسالة، يقدّم فيها جهده ووقته بدون كلل أو انتظار للشكر.

  • الستر والاحترام: يُولي المتوفين عناية خاصة في تجهيزهم ووداعهم، مراعياً حرمة الجسد وآخر مشهد له في الدنيا، فيُلبسهم كرامتهم كما يُلبسهم الأكفان.

  • التحمّل والصبر: يتعامل يوميًا مع مواقف صعبة وحساسة، ويتطلب ذلك نفسًا طويلًا وقدرة على ضبط المشاعر وتقديم الدعم للآخرين في أوقات الفقد.

  • الجاهزية والتطوّع: لا يضع ساعات للدوام، فهو حاضر حيث يُطلب، ومستعد لتلبية النداء في الليل والنهار، كأنما جعل من نفسه وقفًا لخدمة الناس.

  • الخشية من الله: كل عمل يقوم به محفوف بنيّة طيبة وطلب للأجر والثواب، فهو يرى أن كل متوفٍ هو أمانة يجب أن تُرد بأكمل وجه.

هذه القيم ليست فقط دليلًا على شخصية فريدة، بل تُجسّد صورة الإنسان الذي اختار أن يكون جسر رحمة بين الحياة والموت.







google-playkhamsatmostaqltradent