recent
أخبار ساخنة

"ابو خليل وشاح "الفارس الذي علمنا أن الطريق الى الحرية مرسوم بدماء الش♡هداء (* احمد مراد)






بكل مشاعر الفخر والإعتزاز ، وبوجدان يختلط فيه وجع الفقد بعنفوان الوفاء، نودّع اليوم فارسَين من فرسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الشهيد القائد محمد خليل وشاح "أبو خليل" ورفيق دربه في الشهادة والنضال مفيد الحسن، اللذين ارتقيا في غارة صهيونية غادرة استهدفتهما عند الحدود اللبنانية السورية في منطقة المصنع، لتكتب دماؤهما الطاهرة صفحة جديدة في سجل الخالدين.

لم يكن "أبو خليل" اسماً عابراً في مسيرة الثورة الفلسطينية، بل كان مدرسة نضال متكاملة، ورمزاً من رموز الفداء والإقدام. وُلد وترعرع بين أزقة مخيمات غزة، فامتص منذ طفولته مرارة اللجوء وقسوة الحرمان، ونقش في قلبه عهد الحرية. منذ نعومة أظافره، انخرط في صفوف النضال، حاملاً البندقية والكلمة والموقف، ليشارك في المعارك الأولى ضد الاحتلال، وليتعرض للمطاردة والاعتقال في سجون العدو الصهيوني، حيث عاش سنواتٍ من القهر الصهيوني، لكنها لم تكسر إرادته، بل صقلته وجعلته أكثر صلابة وإيماناً بالحق الفلسطيني.

خرج من السجن ليكمل مسيرة الكفاح، متنقلاً بين ساحات النضال من غزة إلى سوريا، ومن لبنان إلى محطات نضالية أخرى، حيث خاض المهمات الصعبة والخاصة، التي جعلت منه بحق "رجل المهمات الخاصة" في الجبهة الشعبية. كان جريئاً في اقتحام الصعاب، لا يعرف المستحيل، ثابت الموقف، نقيّ السريرة، دمث الأخلاق، محاطاً بالمحبة من رفاقه وجماهيره على حد سواء. امتلك مسلكية ثورية منضبطة، وحافظ على صورة المقاتل الصلب والحارس الأمين للحلم الفلسطيني.

عرفه العدو قبل الصديق، فقد كان شوكة في حلق الاحتلال، يطارده في الميدان ويكيل له الضربات الموجعة، حتى صار اسمه مقترناً بالخطر الداهم على منظومته الأمنية. ولأن الاحتلال يدرك أن القائد الحق لا يعوَّض، طارده بلا هوادة، حتى اغتاله غدراً في كمين جبان، لكنهم لم يدركوا أن الرصاص لا يقتل الفكرة، وأن الشهداء يولدون من جديد في كل قلب حر.

أما رفيق دربه، الشهيد مفيد الحسن، فكان مثالاً للمقاتل الوفيّ، يمشي إلى جانبه في كل محطات النضال، يتقاسمان الخبز والرصاص والحلم ذاته. ارتقيا معاً كما عاشا معاً، وامتزجت دماؤهما لتصنع راية حمراء ترفرف فوق كل ساحات المقاومة.

"أبو خليل" لم يكن قائداً عادياً، بل كان جريئاً في مواجهة الأخطاء، صادقاً في نقد الذات، لا يهاب في الحق لومة لائم. كان جبهوياً أصيلاً، مقداماً ومنضبطاً، يدرك أن الثورة ليست مجرد بندقية، بل هي وعي ومسؤولية وانضباط، وأن القائد الحقيقي هو من يعيش بين جماهيره ويحمل همومهم وآمالهم، لا من يكتفي بالشعارات. في الميدان كان مقاتلاً شرساً، وفي التنظيم كان ركناً أساسياً، وفي العمل الجماهيري كان صوت الناس ويدهم الممدودة.

اليوم، ونحن نودّعه، نعيد تجديد العهد والوعد له ولكل الشهداء، بأن نبقى على درب الكفاح والمقاومة حتى استعادة كامل حقوق شعبنا المغتصبة، وحتى يرفرف علم فلسطين فوق كل شبر من أرضها. لن تنكسر إرادتنا، ولن تنطفئ شعلة النضال التي حملها "أبو خليل" ورفاقه.

رحل "أبو خليل" جسداً، لكن روحه باقية، تلهمنا في كل معركة، وتذكرنا أن الطريق إلى الحرية مرسوم بدماء الشهداء. رحل ومعه رفيق دربه، لكنهما تركا إرثاً نضالياً سيبقى حياً في وجدان شعبنا، وسيظل الجيل القادم يستمد منه العزيمة والإصرار.

وكما قال غسان كنفاني، الذي آمن أن البطولة الحقيقية لا تعرف حدود المكان أو الزمان: "الغزلان تموت عند أهلها، لكن النسور لا يهمها أين تموت." لقد كنتم يا أبا خليل ويا مفيد نسوراً حقيقية، حلقتم في سماء العز، ورحلتم شامخي الجباه، لتكونوا منارة على درب التحرير.

المجد للشهداء… والنصر لفلسطين .

*مسؤول المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان
google-playkhamsatmostaqltradent