recent
أخبار ساخنة

سوريا في المصيدة: اقتتال الإخوة وسقوط الدولة



بقلم: عصام الحلبي




كأن البلاد التي كانت يومًا قلبًا نابضًا للمشرق، تتحول ببطء قاتل إلى رقعة متنازع عليها، تتآكل أطرافها وتنكمش روحها، ويعلو فيها صوت البنادق على نداء الوطن. سوريا لم تعد كما نعرفها، بل غدت مختبرًا علنيًا لتفتيت الدول، وتجربة طويلة المدى لتحويل الشعوب إلى طوائف متنازعة، وجماعات مستجدية لحماية غريبة.




الهوية الوطنية تتشقق




لم تكن الطائفية يومًا غريبة عن المنطقة، لكن سوريا كانت – ولو شكليًا – دولةً تتسع للجميع. اليوم، تنهار هذه الفكرة كليًا. تعود الجماعات إلى ولاءاتها الأولى الطائفة، العشيرة، القومية، ويغيب الحس المشترك الذي يصنع وطنًا موحدًا. تُستبدل المواطنة بالانتماء الضيق، ويُعاد تشكيل الخريطة الداخلية وفق خطوط مذهبية وعرقية، تتجنب بعضها بعضًا، وتخشى بعضها بعضًا، وتحمل البنادق خشية من الغد.




من الدولة إلى الكيانات المتجاورة




أخطر ما أنتجته الحرب ليس القتل فقط، بل شرعنة الكيانات المفصولة عن المركز. بات لكل منطقة علمها، عملتها، مدارسها، وأحيانًا نشيدها. وكأن البلاد تسير نحو تفكيك صامت، تُسوّقه الفدرالية، ويخفي في طياته نزوعًا للانفصال التدريجي. وليس ثمة ضمانة ألا يتحول هذا الواقع المؤقت إلى دائم، في ظل غياب أي مشروع جامع يعيد للسوريين شعورهم بالانتماء لمصير واحد.




العدو القديم بحلة الراعي الجديد




إسرائيل لا تخفي فرحتها. فكل ما يجري يصب في مصلحتها، وكل انقسام في الجسد السوري يمنحها راحة أكبر على حدودها. لكنها لم تكتف بالمراقبة. تسللت بهدوء، ثم بان علنًا أنها تدير ترتيباتها في الجنوب، وتمنح بعض المجموعات مظلة حماية مقابل الولاء الأمني. لقد نجحت، ربما لأول مرة، في تحويل خصومها المفترضين إلى أدوات غير مباشرة في خدمة أمنها.




أنقرة: الحليف الانتهازي




أما تركيا، فقد أتقنت لعب دور الحليف في النهار، والمتاجر بالقضية ليلًا. تحت شعار "الدفاع عن الشعب السوري"، فرضت حضورًا عسكريًا واقتصاديًا مباشرًا في الشمال، لكنها لم تزعج واشنطن ولا تل أبيب في ترتيباتهم. اكتفت بأن تقتطع لنفسها حصة، وتبحث عن اعتراف بها كلاعب لا يمكن تجاهله. وعودها بالحل والاستقرار كاذبة، والمشروع التركي في سوريا لم يكن يومًا إلا مشروع نفوذ تحت غطاء إنساني.




روسيا...البقاء بأي ثمن




الكرملين لم يأتِ إلى سوريا حبًا بالدولة السورية، بل دفاعًا عن مصالحه في المتوسط. ومع مرور الوقت، أصبح أكثر براغماتية من أي وقت مضى. لا يهمه شكل الدولة ولا مضمونها، ما دامت قاعدته في طرطوس آمنة، وسماؤه مفتوحة أمام طائراته. يُهادن الأميركي، ويُساير الإسرائيلي، ويتفادى الصدام مع التركي. لا يحمل مشروعًا للحل، بل مشروعًا للبقاء الطويل، ولو في دولة مقطعة.




صراع الإخوة... والنهاية المؤجلة




أكثر ما يوجع، ليس تآمر الخارج فحسب، بل استعداد الداخل للاحتراب من دون أفق. الاقتتال بين الإخوة السوريين لم يعد استثناءً، بل هو القاعدة. يُعاد إنتاج الكراهية في المناهج، وفي الخطاب، وفي الذاكرة الجماعية، ويُسقط كل يوم حجر جديد من صرح الدولة الذي بناه السوريون لعقود. لا أحد ينتصر، والجميع ينزف، والخاسر الوحيد هو سوريا التي كانت.




المصيدة أُغلقت... فهل من كسر للدائرة؟




بات من الصعب الحديث عن "حل سوري"، في ظل استقالة النخبة، واستقطاب المجتمع، وارتهان القرار. المصيدة اكتملت:

، الداخل مفكك، والخارج متحكم، والمستقبل مائع. وما لم تظهر إرادة وطنية صادقة، عابرة للدماء والجراح، لن تكون هناك سوريا كما نعرفها. بل أرض مرقعة، لكل طرف فيها قصة، ولا أحد له فيها وطن.

google-playkhamsatmostaqltradent