recent
أخبار ساخنة

دعوا ألف وردة في بستان فتح تتفتح فتح... حين تتحوّل الفكرة إلى بيتٍ للناس







️ بقلم:  عصام الحلبي

ليست الحركات النضالية العظيمة ما تكتبه بياناتها وتصريحات مسؤولييها، بل ما تتركه في ذاكرة الناس. ليست بما يُقال عنها، بل بما يُقال بأفعالها  واستمرارية التزامها.
وفتح، منذ انطلاقتها الأولى، لم تكن تنظيماً يُعرّف ببطاقة أو شعار، بل موجة وعي وطني ، تسرّبت إلى البيوت والمخيمات، إلى اللغة والعادات، إلى الأغاني، إلى الحكايات التي تهمس بها الأمهات والجدات في ٱذان  أولادهن وأحفادهن قبل النوم.
فتح لم تدخل حياة الفلسطينيين عبر المكاتب، بل عبر التجربة، تجربة المقاومة بكل ادواتها ووسائلها، وتجربة الصمود، وتجربة الانفتاح. ولهذا لم تكن ذات لونٍ فكري واحد ، ولا صوتٍ واحد، ولا رأيٍ واحد.
فتح كانت – وما زالت – ساحةً واسعة... وكلما اتسعت، اقتربت أكثر من الناس. وكلما ضاقت، فقدت شيئًا من روحها.

فتح... لا تبدأ من الفراغ ولا تقطع مع الذاكرة

ما ميّز "فتح" عن كثيرٍ من الحركات السياسية النضالية التي ظهرت على الساحة الفلسطينية، هو إدراكها المبكر أن الثورة لا تبدأ من الصفر. لم تطرح فتح نفسها كقطيعة مع ما سبق، ولم تدّعِ امتلاك الحقيقة وحدها. بل كانت امتدادًا واعيًا لكل تجربةٍ نضالية سابقة، من الحركات والثورات، إلى رموز المقاومة والثورات الذين سقطوا قبل أن تولد البنادق الحديثة.

فتحت فتح نوافذها على التاريخ لا لتُصفّيه، بل لتأخذه معها إلى الغد. استفادت من التجارب، واحتضنت الرموز، وانتقدت الأخطاء دون أن تُلغي أصحابها. لهذا، لم تكن فتح لحظةً عابرة، بل صفحة من صفحات القضية الناصعة، كتبتها بدماء أبنائها وخطّته بأصوات ناسها وجماهيرها.

فتح ليست في جمود... بل ساحة تتحرك

ليس من العدل اختزال فتح في مؤسساتها أو لجانها فقط ولا يمكن فهمها بمنطق البيروقراطية، إنها حراك مستمر، فكرة تتطوّر، وتجربة تُعاد قراءتها في كل مرحلة.
يحسبها البعض أحيانًا عراكًا داخليًا، بينما هو في جوهره اختلافٌ مشروع تحت سقف الحرية. إنها الحركة التي تسمح لك أن تُبدي رأيك، أن تُعارض، أن تناقش، ثم حين يُتخذ القرار – وفق آليةٍ ديمقراطية داخلية – تصبح أول الملتزمين بتنفيذه.

فتح ليست ساكنة، بل في حراك دائم قد يراه من خارجها صدامًا أو فوضى، لكنه في حقيقته صيرورة تنظيمية تعكس حياة الفكرة داخل الجسد الواحد.
داخل فتح، تستطيع أن تقول ما تفكر فيه دون خوف أو تردد. وقد تعارض رأيًا مطروحًا في النقاش، ثم تلتزم به بكل صدق بعد أن يتحوّل إلى قرار جماعي.
هذه هي روح المركزية الديمقراطية الحقيقية: نقاشٌ حر، وقرارٌ مشترك، وتنفيذٌ صارم.
فتح ليست لونًا فكريا واحدًا... بل طيفًا واسعًا من فلسطين

ربما لا تُشبه فتح أيّ فصيل آخر، فيها المثقف والثائر، المؤمن والعلماني، العامل والمفكر، ابن المدينة وابن المخيم والريف.
لم تُصنع فتح لتكون نخبوية، ولا لتحتكر فكرًا معينًا، بل لتكون حاضنة لكل من يؤمن بفلسطين هدفًا، وبالحرية طريقًا، وبالناس والجماهير ركيزةً لا مجرّد جمهور.

في داخل فتح، عاش التنوع لا كعائق، بل كقوة. لم يكن الاختلاف مرفوضًا، بل مرحّبًا به ما دام لا يمس جوهر القضية، ولهذا استطاعت فتح أن تبقى حيّة في وجه العواصف: لأنها لم تتجمّد عند شكلٍ واحد.

فتح هي من الناس ولهم... وليست عليهم

حين تنظر إلى فتح، لا تراها تنظّم الناس، بل تحاول أن تُشبههم. ليست أعلى منهم، بل بينهم.
ومع مرور الوقت، ورغم ما أصابها من ترهل تنظيمي هنا أو ارتباك هناك، بقيت الفكرة أقوى من التعب.
فتح لم تكن حزبًا ينتظر جمهورًا، بل جمهورًا يصنع الحركة. وهذا ما يجعلها أمّ الجماهير بحقّ، لا توصيفًا.

من المخيمات إلى المنافي، من الجنوب إلى الشمال، حملت فتح المشروع الوطني حين حاول البعض تفريغه، أو تهميشه، أو بيعه، بقيت رغم الجراح والخيبات، لأن جذورها في الناس، لا في الأوراق.

 دعوا البستان يتنفّس

دعوا ألف وردة تتفتح في بستان فتح، لا تقصّوا الزهر المختلف، ولا تخنقوا النباتات الصغيرة لأنها لا تشبه الكبيرة.
فتح لا تحتاج إلى أسوارٍ تحميها من أفكار أبنائها، بل إلى نوافذ مفتوحة على النقد، والمراجعة، والحوار.
ليست قوة فتح في سطوة القرار، بل في شرعية النقاش. ليست عظمتها في عدد بنادقها، بل في اتساع حلمها.
وإن كانت الأخطاء قد تراكمت، فإن العلاج لا يكون بالتضييق، بل بالتوسيع.
فتح هي البيت الذي بُني ليحتمل صخب الحياة، لا صمت الموت.

فمن أراد لها الحياة، فليزرع الورد في ساحاتها، لا الأسلاك الشائكة.
google-playkhamsatmostaqltradent