recent
أخبار ساخنة

في حضرة اللواء أبو الوليد... هدوء المسؤول ووضوح المهمة بقلم : عصام الحلبي






لم يكن اللقاء طويلاً. مرّت الدقائق كأنها ومضات. لكن في كل لحظة، كان ثمة ما يرسخ في الذاكرة، كما لو أن الرجل مصمم على أن يكون حضوره واضحًا بقدر وضوح مهمته. لا ضجيج حوله، ولا صخب يعلو، بل رجل يجلس بثقة، ويستقبل زواره بابتسامة لا تنفصل عن نبرة الجدية التي ترافق كلماته.


 في حضرته، تلتقي وجوهًا تعرف لماذا جاءت. لا تطلب إذنًا للحديث، بل تدخل في جو من الإنصات المتبادل. يستقبلك اللواء بحري العبد إبراهيم"أبو الوليد"، بتعريف بسيط عن نفسه، ثم يفتح معك باب الكلام كما لو كان يدعوك إلى مساحة تشارك لا جلسة استماع رسمية.


لم يُكلف لمجرد ترتيب الملفات، بل حضر إلى لبنان بتكليف مباشر من رئيس دولة فلسطين، ليعيد النظر في هيكلية العمل الفلسطيني على الساحة اللبنانية" الأمن الوطني الفلسطيني". لكن الرجل لا يتحدث كثيرًا عن حجم التفويض الذي يحمله. ما يُهمّه، على ما بدا، هو حجم الاستحقاق الوطني الذي ينتظر الجميع.


منذ اللحظة الأولى، تشعر أنك أمام قائد لا يتكئ على منصبه، بل على إحساسه العالي بالمسؤولية. كلماته مقننة، موجزة، لكنها لا تفتقر إلى المعنى. يحدثك عن شعبنا في لبنان كما لو كان يتحدث عن أبنائه، يضع الأولويات على الطاولة، التنظيم، الأمن، الكرامة، العلاقة بالأشقاء اللبنانيين. لا يفرّط في شيء، ولا يضع شيئًا قبل الآخر بلا توازن.

اللافت في حديثه، أنه لا يشغلك في العموميات. يذهب مباشرة إلى ما يجب فعله. لا يخشى أن يقول "لا نملك ترف الوقت"، ولا يتردد في التأكيد على أن كل لحظة يجب أن تُستثمر. لكنه في الوقت نفسه، لا يقاطعك، يُنصت، يُصغي، يسجّل بعقله لا بقلمه. وإذا قلت شيئًا يُثير انتباهه، تلمح سريعًا نظرة إلى أحد الضباط من فريقه، ليُحال الكلام إلى المعنيّين.


ليست هذه طقوس مسؤول يستعرض هيبته، بل سلوك رجل اعتاد على ترتيب الفوضى بأقل الكلمات وأكثر الأفعال.


وقد أسرني في هذا اللقاء، ليس فقط حضوره، بل طريقته في جعل الآخرين يشعرون أنهم جزء من الصورة. دون أن يطلب، شجعني على الحديث. لم يكن ذلك بالكلمات، بل بحضوره الأخوي الذي يجمع بين الحزم والاحتواء. وجدت نفسي أشرح له عن مهمتي السابقة قبل التقاعد، منذ عامٍ مضى، وعن سنواتي الطويلة التي قضيتها في مجالات الإعلام والتفويض السياسي والتوجيه المعنوي. لم يكن يسأل عن التفاصيل، لكنه كان يصغي كما لو أن كل جملة تُبنى عليها خطوة.


حين أعربت له عن رغبتي في أن أظل جنديًا في خدمة المشروع الوطني، ضمن ما أملكه من معرفة وخبرة، لم يرد بكلام كثير، بل بكلمة واحدة: "سنستفيد من كل من لديه ما يُقدمه". لم تكن مجاملة، بل قناعة تنعكس على ملامحه وطريقة عمله.


هو لا يختبئ خلف اللجنة التي يرأسها، ولا يطلق الوعود في الهواء. كل فكرة تُطرح، تتحول إلى خيط متابع، وكل رأي يُقال، يُعامل باحترام لا نفاق فيه.

في شخصيته مزيج دقيق بين الصرامة والود. لا يتنازل عن حسّه التنظيمي والعسكري، لكنه لا يُجبرك على التعامل معه كرجل مهمّ. يُشعرك أنك محاور، لا مراجع. وأن حديثك يُحتسب، لا يُهمّش.


هذا اللقاء القصير كان كافيًا لأدرك أن اللواء أبو الوليد لا يضع قدمه في الساحة اللبنانية بحثًا عن حضور شخصي، بل جاء محمّلًا بمسؤولية يريد أن ينجزها على الأرض، لا على الورق. يتصرّف كما لو أن كل تأخير في العمل هو إضاعة لفرصة يحتاجها اللاجئ في المخيم قبل غيره.


قد لا نعرف كل ما يدور في كواليس مهمته، لكن ما يبدو واضحًا هو أن حضور هذا الرجل ليس شكليًا ، بل بداية طريق يُراد له أن يكون مختلفًا. وربما، من خلال هذا الهدوء المدروس الذي يحيط به نفسه، ومن خلال تلك الجملة التي قالها بنبرة حاسمة وهادئة في آن: "نحن بحاجة إلى كل من يستطيع أن يُضيف بخبرته"، يمكن أن نقرأ جوهر فلسفته في العمل.

google-playkhamsatmostaqltradent