القدس تقرع جدران الخزان، وتصرخ، فهل من مجيب؟؟
عندما كان الشهيد الرمز ياسر عرفات قد استقرَّ على أرض الوطن، وقد بدأ الحصار الخانق، كان دائماً يردد:" على القدس رايحين شهداء بالملايين". ويضيف " وسيرفع شبل من أشبالنا، وزهرة من زهراتنا علم فلسطين على مآذن وأسوار القدس وأقصاها..."
كثيرون اعترضوا على " عبارة شهداء بالملايين" لأنه اذا كان الشهداء بهذا الحجم الهائل فمن الذي سيعود إذاً؟!
وعندما أضاف رحمه الله بأن هناك من سيرفع العلم على أسوار القدس، أدرك الجميع بأن رحلة تحرير فلسطين والقدس في قلبها لن تكون سهلة فالتضحيات كبيرة، والشهداء قوافل بعد قوافل، لكنَّ جيلاً قادماً سيحقق الحلم الفلسطيني والعربي، فالقدس تلفظ بطبيعتها كل الغرباء الذين قتلوا الأنبياء، ولا تفتح صدرها إلاَّ لمن احتضنته واحتضنها، ومن كان صادقاً في الوعد والعهد والقسم.
وفي مؤتمر الأزهر الشريف لنصرة القدس الذي انعقد في القاهرة، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبشكل حاسم: "القدس هي بوابة السلام للجميع حين تكون فقط عاصمة لدولة فلسطين، وهي بوابة الحرب والخوف وغياب الامن والاستقرار إن لم تكن عاصمة لدولة فلسطين، وعلى السيد ترامب أن يختار". وما عناه الرئيس ابو مازن أنَّ العالمَ اليوم بأكمله أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فإما أن يُسلِّم العالمُ الحرُّ رقبتَه وقراره إلى ترامب، الذي يمارس وبكل وقاحة دوره كزعيم صهيوني، وليس كأميركي، لأن هناك معارضة واسعة له داخل الولايات المتحدة نفسها. وإما أن ينتفض العالمُ الحرُّ ويرفضُ الانجرار خلف هذا الزعيم الصهيوني المعتوه، والذي فقد توازنه السياسي كرئيس، وأصبح يعمل خادماً للحركة الصهيونية، وربيبتها الكيان الصهيوني، وذلك من أجل عدم السماح لترامب وحلفائه باغراق الشرق الأوسط، وتحديداً فلسطين في بحر من الدماء، يقودنا بالتالي إلى حرب عالمية ثالثة.
الأمة الاسلامية والعربية اليوم أمام اختبار صعب وخيارات تاريخية، فأما أن نكون وإما ألا نكون، وما بينهما سيكتبه التاريخ بالدم وليس بالحبر، لأنَّ الخيار بالنسبة لنا كفلسطينيين أيضاً ليس نزهة، فنحن لا نبحث عن الطعام والشراب والرفاهية والأقصى أسير.
ياجماهير شعبنا الفلسطيني في كل الارض الفلسطينية، وكل أنحاء المعمورة، وكل المخيمات التي لم ترفع رأيةً بيضاء في يوم من الأيام، رغم المجازر والمذابح والحصارات....
إنَّ ما جرى ويجري في القدس وأقصاها، وما يجري أيضاً في المسجد الابراهيمي وجواره بات يشكل خطراً داهماً على الامة بكاملها، ولكنه بات يشكل خطراً واقعياً ومصيرياً ينذر بتصعيدٍ دموي خطير، في إطار مخطط صهيوني يتعمَّدُ اجتثاثنا من أرضنا، وإبادة القسم الاكبر من أهلنا، يساعده في ذلك الصمتُ المخيف والمرعب والمستهجن من الأمة العربية والاسلامية، ومن الدول الحرة أيضاً، التي لم تأخذ مواقف حاسمة للدفاع عن قراراتها الدولية، التي تُنصف القضية الفلسطينية، والتي تتعهد فيها بحماية الشعب الفلسطيني، وأرضه وحقوقه.
لقد تُرِك الشعب الفلسطيني، وفي ظروف أمنية وعسكرية ومعيشية معقدة يُقاتل وحيداً، ويواجهُ أخطرَ مشروع صهيو أميركي في تاريخ الصراع.
وأمام هذا الواقع المُر فإن القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس المرابط في المقاطعة في رام الله، قريباً من ضريح الشهيد الرمز ياسر عرفات، أخذت قرار المواجهة اليومية وخاصة في القدس، وفي خليل الرحمن، وبالتالي في كل أنحاء الضفة الغربية، وفي قطاع غزة.
وفي القدس يشتد وطيس المعركة، ويرتفع مستوى التحدي المباشر، فقيادة الحركة في القدس أعلنت عن تصعيد حملة صلاة الفجر في الأقصى، وقد حضر الآلافُ لحماية المسجد وباحاته من هجمات المستوطنين والجيش الصهيوني، وأُجبر المستوطنون ومن يحميهم على التراجع والانسحاب. وفي اليوم نفسه أي يوم الجمعة شارك في الصلاة أربعون ألفاً من المصلين رجالاً ونساءً، واشتكبوا مع الجيش الصهيوني والمستوطنين، وأخرجوهم من المسجد وباحاته، وجُرح الكثيرون من أبناء شعبنا، إلاَّ أن هناك إصراراً وتصميماً على خوض معركة القدس والأقصى، والمعارك والمواجهات أصبحت تفرض نفسها في كل حارة، وشارع، وفي كل مخيم وبلدة، وفي كل بيت من بيوت المقدسيين الذين يسكنون في منازل ملاصقة للحرم القدسي، وقد أصبحت آيلة للسقوط بعد التشققات التي برزت في الجدران والسقوف، بسبب الحفريات المتواصلة ليل نهار، من أجل تدمير المسجد الأقصى، وبناء الهيكل لإزالة المعالم الاسلامية المقدسة. والجريمة ذاتها تتكرر في الخليل، وتحديداً مسجد خليل الرحمن، الذي تم تقسيمه بين المسلمين والصهاينة بقوة الارهاب بعد مجزرة الخليل التي استشهد فيها سبعةٌ وعشرون مصلياً. واليوم يتعمدُ جيشُ الاحتلال وقطعان المستوطنين تهديدَ أهالي المنازل الملاصقة والقريبة من الحرم الابراهيمي، ويضغطون عليهم أمنياً من أجل إخلاء البيوت، واحتلالها من قبل المستوطنين.
إنَّ هذا السلوك العدواني اليومي والخطير، واجهتهُ القيادة بتكثيف حضور المواطنين من الخليل بالآلاف، لتأدية الصلوات في مختلف الاوقات في المسجد، في رسالة واضحة إلى المستوطنين، وإلى جيش الاحتلال بأننا سنحمي مقدساتنا مهما كانت التكلفة.
هذه الأشكال من التحدي ومن المواجهة هي رسالة إلى كل العالم الإسلامي والعربي ومفادها أننا كفلسطينيين نعاهدكم بأننا على القدس رايحين شهداء بالملايين، ولن نرفع، ولم نرفع في حياتنا رايةً بيضاء.... نقول لكل أمتنا: القدسُ تناديكم ... والأقصى يستصرخكم .. والمسيرة مستمرة.
المجد لشهدائنا الابرار.
والحرية لأسرانا الاحرار.
والشفاء لجرحانا البواسل.
وانها لثورة حتى النصر.
قيادة حركة فتح في لبنان
إعلام الساحة
18/1/2020
علي الجرشي