تنشغل وزارة الخارجية الأمريكية ومعها البيت الأبيض بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية، في تنفيذ برنامج خاص، تم إعداده وتجهيزه بالاتفاق مع النخب الاستراتيجية الإسرائيلية، وبالاشتراك مع أصدقاء الكيان الصهيوني من دول عديدة، بالإضافة إلى مشاركين جدد من دول عربية مختلفة، تطوعوا أن يكونوا أعضاءً فاعلين في إعداد هذا البرنامج وتطويره، خدمةً للكيان الصهيوني، وإرضاءً للإدارة الأمريكية، ومحاولةً لكسب ود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لا يخفي حرصه على خدمة "دولة إسرائيل" ومساعدتها، ومد يد العون لها لمزيد من القوة والاستقرار والأمن والثبات في المنطقة، خاصة خلال فترة ولايته الحالية والقادمة التي يتوقعها، التي يعتقد الإسرائيليون أنها ستكون المرحلة الماسية في تاريخ كيانهم.
يهدف البرنامج الأمريكي المعد بدقة والمجهز بإتقان، إلى تحسين صورة "إسرائيل" وتجميلها، ونفي الاتهامات عنها وتبني سياساتها وتبرير ممارساتها، ومنحها الحق في الدفاع عن وجودها وضمان أمنها، وتشريع ما تقوم به من جرائم في سبيل تحقيق أهدافها وتأمين حياة مستوطنيها وحفظ مصالحهم، فهي وفق منظورهم الذي يعملون بموجبه دولة غير عدوانية، وشعبها مسالمٌ يتطلع إلى العيش بأمان والتعايش مع شعوب المنطقة بسلام، ولديها من الخطط والمشاريع ما يخدم المنطقة وينعش اقتصادها ويرفه حياة سكانها، ويبعد عنهم أخطار الفوضى وويلات الحروب ومآسي التشرد والترحيل.
كما يعمل المشروع الأمريكي على تشويه صورة العرب والفلسطينيين، ووصفهم بأنهم عدائيون، يحبون الحرب ويسعون لها، وينشرون الكراهية ويعملون على نشر مفاهيم التطرف والإرهاب، ويزعم أنهم يربون أجيالهم على رفض اليهود وإنكار حقهم في الوجود، ويرفضون السلام ولا يسعون إلى تحقيق الأمن، وينكرون حق "الشعب اليهودي" في العيش بأمن وأمان، ضمن حدود كيانهم، وفوق أرضهم التاريخية وممالكهم القديمة.
يحمل المشروع الأمريكي قادة الفلسطينيين وزعمائهم، ومنظماتهم وأحزابهم، وسلطتهم ومقاومتهم، كامل المسؤولية عمال آلت إليه أوضاع الشعب الفلسطيني، ويتهمونهم بأنهم يقودون شعبهم نحو التهلكة، ويكلفونه المزيد من الخسائر، ويكبدونه الكثير من التضحيات، ويحرضون أبناءهم للقيام بعمليات عسكرية تؤدي إلى قتلهم، وتعود بالضرر على أهلهم ومناطقهم، بينما كان بإمكانهم التخفيف عن شعبهم، وحقن دمائهم وحماية شبابهم، والمساهمة معهم في بناء مستقبلهم وتحسين شروط عيشهم.
يتغافل المشروع الأمريكي الذي يجد من يعينه من العرب، عن حقيقة أن الفلسطينيين هم أهل الأرض وأصحاب الحق، وأنهم المظلومون والمعتدى عليهم، وأن الإسرائيليين ومعهم الحركة الصهيونية بإطارها الواسع العام، هي التي غصبت الفلسطينيين حقوقهم وطردتهم من أرضهم، ومكنت المستوطنين الوافدين من أصقاع الدنيا بالإقامة في بيوتهم، ونهب أموالهم والسيطرة على ممتلكاتهم، وأنها ما زلت تحتل أرضهم وتقتل أهلهم وتعتقل رجالهم، وتحاصرهم وتضيق عليهم، وتحرمهم من حقهم في الحياة ضمن حدود دولتهم، وفوق أرضهم التاريخية، وهو الحق الذي تكفله كل الشرائع، وتدعو إليه مختلف القوانين الدولية.
يعتمد الأمريكيون في تمرير مشروعهم وتنفيذ برنامجهم على بعض الشخصيات العربية والإسلامية، وعلى العديد من دولهم وحكوماتهم، وهي تعلم ضرورة وجودهم وحاجتها إليهم، وتدرك قدراتهم وتعرف مؤهلاتهم، وللاستفادة منهم فهي تدعوهم للمشاركة في أنشطة ومنتديات دولية، تحمل عناوين براقة وشعارات لافتة، كالتكامل والتعاون، والتعايش والسلام، وغيره مما من شأنه أن يجعل من الكيان الصهيوني دولةً طبيعيةً ضمن الإقليم، لها الحق في الوجود المنسجم مع شعوب المنطقة، وبناء علاقات طبيعية معهم، يحترمها جيرانها وتحترمهم، ويحفظون أمنها وتحفظهم، لعل بعض الحكومات العربية قد بدأت، ونسجت علاقات دبلوماسية وتجارية مع الكيان الصهيوني، وتتبادل وإياه الزيارات الرسمية السرية والعلنية.
قد لا نعيب على الإدارة الأمريكية مشروعها الطموح وغيرتها الكبيرة، ومساعيها الدؤوبة وجهودها المتواصلة، ولا نستغرب تطلعاتها ومشاريعها ومخططاتها وبرامجها، فهي توالي الكيان الصهيوني وتتبناه، وتعمل معه ومن أجله، وتعلن مواقفها ولا تتردد، وتؤيده ولا تتهيب، وتترجم سياستها معه إلى برامج ومساعدات وميزانيات، وتتطلع إلى رفاهية الشعب اليهودي وسلامته، وإلى استقراره وأمنه.
إنما نعيب على بعض العرب والمسلمين الذين غرروا بهم وانجروا وراءهم، وارتضوا أن يكونوا أدوات في هذا البرنامج ودمىً في تنفيذ هذا المشروع، فهم كالطعم الذي يصطاد به الأمريكيون والإسرائيليون غيرهم، وكالزينة الاصطناعية التي لا تنتمي إلى الطبيعة ولا ترتبط بالأرض، ولكنها تخدع البعض، وتغري ضعفاء النفوس ومهزوزي العقيدة باتباعهم والمضي معهم.
إنهم بمشاركتهم المرفوضة يخونون الوطن ويطعنون ظهر الأمة، ويفرطون في دينهم، ويخرجون من عقيدتهم، إذ يوالون العدو ويصدقونه، ويدافعون عنه ويؤيدونه، ويدعون له وينصرونه، وهو الذي قتلهم وآبائهم، وشردهم وشعوبهم، واغتصب حقوقهم وأموالهم، واحتل أرضهم وديارهم، وما زال يترصد بهم ويتآمر عليهم، ولعله يهزأ بهم ويضحك عليهم، ويستخف بهم ويحتقرهم، ويشمئز منهم ولا يحترمهم، ويحذر منهم ولا يثق فيهم، إذ خانوا أوطانهم وغدروا بشعوبهم، فكيف يأمن لهم ويطمئن إليهم وهم في قاموسه خونة، ولهذا فهو يستخدمهم كالعير، ويمتطي ظهورهم كالحمير، ولا يعاملهم أبداً كالأجير، بل يهينهم دوماً كالعميل الوضيع.
بيروت في 3/12/2019