ليس من السهل الحكم على مجتمع او مجتمعات باسرها على اسس شمولية
تفتقر الى البحث و التمحيص . و لكننا نجانب الحقيقة اذا انكرنا بان
مجتمعاتنا مستبدة و حكوماتنا مستبدة . المستبِد في حقيقته مستبَد في نفس
الوقت ، أي انه ظالم و مظلوم في آن معا ! المجتمع غير المستقل و التابع
اقتصاديا و سياسيا لغيره ، و المجتمع الفاقد للحريات و لنفاذ القوانين
و المنخور بالفساد و بغياب القضاء هو مجتمع محكوم بالاستبداد المركب
و هو ايضا واقع تحت الاستبداد الخارجي . ان الاستبداد يبدأ عندنا من
البيت ، من رب البيت على زوجته ، و من الام على اولادها ، و من الولد
الكبير على الصغير . حرية ابداء الرأي شبه معدومة ، و التسلط قد يستدعي
استعمال القوة المفرطة و هذه قد تؤدي الى موت او الى ضرر عضوي او نفسي .
ثم من البيت الى المدرسة فالمدير متسلط على الاستاذ و الاخير متسلط على
الطلاب و الاقوياء من الطلاب متسلطون على الضعفاء . و في السوق يتسلط
المحتكر على صاحب الحانة و هذا على المستهلك ، و البنوك على الجميع .
و من المفارقات العجيبة ان الاحزاب التي من المفترض انها تمثل طليعة
الشعب هي نفسها محكومة بالاستبداد . فليست هناك حياة ديمقراطية داخلها
و تتحكم بسياساتها التحالفات و الضرورات التنظيمية و الجغرافية و المصالح
الضيقة . اما الزعيم الحزبي فهو لا يختلف عن القادة السياسيين التقليديين
الا بالنفوذ ، فهو خالد على كرسية حتى النزع الاخير . كم من الزعماء
بدؤا حياتهم الحزبية شبابا و هاهم في مراكزهم و قد خرفوا ووهنت عظامهم .
اما اكثر وجوه التسلط ملاحظة لدى العامة هو تسلط موظف الحكومة على
المراجعين ، و العسكر على الناس . و هذا العسكري المتجبر الغليظ هو نفسه
ضحية الضابط الصغير و الصغير ضحية الضابط الكبير و كلهم ضحية
رجل استخبارات تافه متخلف . في نفس الوقت فإن النواب الذين اختارهم
الشعب او هكذا يتم اخراج المسرحية فهم لا يعلمون بالتشريعات الا عند
اقرارها و يتعرضون لكل اشكال الضغوط لتمريرها ، و الوزراء لا يعلمون
بما يجري الا من الصحف ، و الصحف و معها وسائل الاعلام موجهة
من جهات لا يعلمها الا الله . في نهاية المطاف يكمن التسلط في القصر
الرئاسي الواقع تحت تسلط البنك الدولي و مطابخ صنع القرار العالمي .
اما خلف الحدود و من وراء البحار و المحيطات حيث يحملون " الريموت"
لفرض تسلطهم علينا بل على وكلائهم الذين يحكموننا ، هناك لا تزال جهة
متسلطة من وراء الكواليس هي التي تقرر و هي التي تصنع الاحداث و تحكم
بالاعدام او الفقر او المجاعة على الشعوب . هذه القوة يخضع لها ترامب و بوتن
و ميركل و ماكرون و غيرهم من الاحجار التي تتحكم بنا و يتحكم بها الماسونيين
اليهود . هذه المجموعة التي تحكمنا من المحيط الى الخليج و تكشر انيابها
و تستحل دماءنا و تنهشنا سياطها و تنهب ثرواتنا و تطبّع مع اعدائنا و تمتلئ
سجونها من رجالنا و علمائنا ما هم الا وكلاء لاسيادهم اصحاب القوة في العواصم
الكبرى و الذين هم بدورهم وكلاء لليهود الذين يمسكون بزمام السياسة و المال
و الاقتصاد و الاعلام العالمي . هذا كلام ليس للتثبيط بل دعوة للمقاومة ، مقاومة
الذل و الهوان ، مقاومة الفساد و التبعية ، مقاومة الاستبداد و الدكتاتورية . نحن
امة مجيدة اعزنا الله عزوجل بدين عظيم ، و بتاريخ ناصع مليئ بالبطولات
و بالعزة و الكرامة و العدل . امة يجب ان لا تقبل الظلم و القهر و هي التي
تمتلك مقومات القوة . يجب ان نحرر انفسنا بان نرفع الظلم الواقع منا اولا
لان الحرية لن تهب لنا ان لم نكن احرارا في طبيعتنا . فالظالم لزوجته
او اولاده او اخوته او جيرانه يجب ان يرفع الظلم حتى يكن حرا و داعيا
للحرية . المعلم و الطبيب و الحرفي و السائق و عامل النظافة و العسكري
يجب ان يحرروا انفسهم اولا بوقف استبدادهم على من هم دونهم حتى
يطالبوا بوقف استبداد من يتحكم بهم . ان فاقد الحرية لا يطالب بحرية
غيره ، و المستبد لا يطالب برفع الاستبداد من النظالم طالما هو نفسه ظالم !
ماهر الصديق