أحمد الحاج علي | الخميس 26/12/2019
(المدن)
يقف الرجل السبعيني محمد الصفدي عند باب رابطة أهالي مجد الكروم، في طابور طويل يضم العشرات من سكان من مخيم شاتيلا، انتظاراً للحصول على حصته في الوجبات التي تقدّمها الرابطة مرتين أسبوعياً. ويقول لـ"المدن" إنها المرة الثانية التي ينفد بيته من الطعام. كانت المرة الأولى أثناء حرب المخيمات قبل 35 عاماً تقريباً. لا تبدو حالة الصفدي استثنائية في المخيمات الفلسطينية في لبنان، التي كان وقع الأزمة المعيشية عليها مُضاعفاً، لأنها تعاني في الأصل من الفقر المستشري، والذي بلغت نسبته حوالى 65 بالمئة، قبل اشتداد الأزمة الاقتصادية اللبنانية مؤخراً.
دعم الدكاكين
سوء الحال دفع بالناشطين الاجتماعيين الفلسطينيين إلى إطلاق مبادرات كثيرة لتأمين المواد الغذائية، وصل صداها إلى فلسطينيي الشتات، الذين بدورهم أطلقوا مبادرات عديدة كانت إحداها بالسويد تحت عنوان "لن تجوع المخيمات". فيما ألغت حركة "حماس" أنشطتها وفعالياتها في لبنان، وقامت بتوجيه المبالغ المالية المتوافرة لصالح إغاثة فلسطينيي لبنان، وحذت حركة "فتح" حذوّها بتوزيع المساعدات العاجلة، على قطاعات واسعة من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات الفلسطينية.
لا يخلو مخيم أو تجمّع واحد من مبادرة اجتماعية أو أكثر تهدف إلى تأمين الغذاء للاجئين الفلسطينيين، وسكان المخيمات بشكل عام، من سوريين ولبنانيين وغيرهم. وتمتاز كل مبادرة بجمعها عدداً كبيراً من الناشطين، وتنوّع أفرادها، بحيث تضم معظم ألوان الطيف السياسي الفلسطيني والمستقلين. وأحياناً تتعدد المبادرات ضمن المخيم الواحد، كما في مخيم برج البراجنة، حيث توجد خمس مبادرات، ما بين توزيع موادّ غذائية، أو وجبات ساخنة، أو مساندة الدكاكين والمتاجر الصغيرة.
وتهدف المبادرة الأخيرة "كن عوناً"، حسب الناشط ماهر لمحمد "إلى تأمين حدّ أدنى من الدورة الاقتصادية والنشاط التجاري من خلال دعم دكاكين المخيم التي تأثّرت بالأزمة الاقتصادية الأخيرة. وذلك من خلال أحد ثلاثة طرق: إمّا الدعم والمساندة المالية المباشرة، أو من خلال بطاقات شرائية للعائلات المحتاجة لتشتري من دكاكين محدّدة، وإما من خلال الدورات الإدارية الضرورية التي يحتاجها أصحاب المتاجر والدكاكين الصغيرة". ويعتبر أن الدكاكين الصغيرة أكثر من تضرر بسبب أن معظم أصحابها هم من الفقراء البسطاء الذين لا دخل لهم بالتحليل المالي والتغيرات الاقتصادية، لذلك تجد رفوف دكاكينهم فارغة عند أية أزمة.
مناشدة العون من "الأونروا"
الحاجة إلى 4000 وجبة مجانية يومياً!
اعتادت رابطة أهالي مخيم شاتيلا أن توزّع الوجبات الساخنة على الفقراء والمحتاجين في المخيم وجواره طيلة شهر رمضان. يبلغ عدد تلك الوجبات 700 وجبة يومياً. كانت تكفي لكل محتاجي المخيم. اضطرت الظروف الحالية الرابطة إلى إطلاق حملة لتوزيع الأطعمة كل اثنين وجمعة. يقول رئيس الرابطة يحيى سرّيس إنهم يوزّعون أكثر من 1200 وجبة في أيام التوزيع المعتمدة، ولا تكفي أبداً للمحتاجين في مخيمٍ أقل من نصف سكانه الخمسة وعشرين ألفاً، من الفلسطينيين، والباقي من السوريين واللبنانيين "لكنّ الرابطة لا تميّز بينهم أبداً".
يضيف "لقد تدهورت الحالة الاقتصادية في المخيم منذ شهر رمضان بشكل مروّع. كانت 700 وجبة تكفي للمحتاجين، اليوم 1200 وجبة لا تكفي أبداً. حاجة المخيم اليوم هو 4000 وجبة، لأن نسبة الفقر تعدّت 85 بالمائة على أقل تقدير". ويتألّف مطبخ الرابطة من عشرة أفراد، ستة مختصون بالطبخ، وأربعة يتولّون التوزيع على غير القادرين على الوصول إلى مركز الرابطة. ويبدو صادماً مشهد عائلات وأطفال أتوا للحصول على وجبة الفاصوليا بأكياس النايلون لأنهم لا يملكون وعاءً بلاستيكياً في بيتهم، كما أخبروا.
وفي ردّ على سؤال حول عدد المحتاجين، يجزم سرّيس بأنه "بالعموم، وبكل أسف، اليوم كل من يسكن مخيم شاتيلا هو محتاج". ويعبّر عن تخوّفه من تفاقم الأزمة الحالية "خصوصاً أن غالبية التبرعات التي تصلنا اليوم هي من داخل الأراضي اللبنانية، على خلاف ما كان عليه الوضع في رمضان، إذ إن صعوبة التحويلات المالية تمنع كثيراً من الفلسطينيين في الشتات من المشاركة المباشرة".
التبرعات ومأساة الطبابة
في مخيم برج الشمالي، بمدينة صور، شباب وشابات يجمعون التبرّعات من المحلات التجارية، والمساجد، والمدارس، واتصالات لا تنقطع من مغتربي المخيم، يعملون باسم "مبادرة طيبون"، التي تقول إحدى الناشطات في المبادرة سوزان حبوس لـ "المدن" إنهم يهدفون "لتعزيز روح التكافل الاجتماعي بين الناس، وتحقيق التكامل في الدور والجُهد لخدمة أهلنا في المخيم". ولدى المبادرة مندوبون في كل حي من أحياء المخيم. كما يساهم الأهالي بالتبرّع بالوجبات الساخنة. غياب قاعدة بيانات سببت العديد من الإشكالات في عدد من المخيمات، لذلك "يعمل فريق المبادرة على إعداد قاعدة بيانات بالعائلات الأشد فقراً، موزعة على مختلف أحياء المخيم"، كما تقول حبوس. الانتقادات التي وُجهت في بداية الحملات بالمخيمات لعمليات التصوير التي تُظهر وجوه المحتاجين، عملت "مبادرة طيبون" على تلافيها تماماً.
الأزمة الاقتصادية انعكست أيضاً على الأوضاع الصحية للفلسطينيين في لبنان حسبما يؤكد مدير جمعية الشفاء للخدمات الطبية الدكتور مجدي كريم في حديثه لـ "المدن". ويشير إلى أن استشعار الجمعية بحجم الانحدار الصحي مؤخراً دفعها إلى الإعلان عن أيام علاج صحي مجاني في المخيمات الفلسطينية، وتأمين الكثير من الأدوية مجاناً "فالناس بمجملها باتت عاجزة عن تأمين ثمن الأدوية. وقد صادفنا عشرات المرضى الذين قالوا إنهم لم يتناولوا الدواء منذ شهرين، لعجزهم المادّي. يُضاف إلى ذلك أن كثيرين لم يعودوا يتوجهون للعيادات للمعاينة للسبب نفسه، رغم أن الأسعار رمزية في بعض الأحيان. كما أن الأزمة المالية دفعت بكثيرين إلى عيادات الأونروا لطلب العلاج، لأول مرة في حياتهم، مما تسبب بضغط كبير في تلك العيادات، رغم قلة التخصصات".
واشتكى مدير الجمعية التي تضم سبعة مستوصفات في المخيمات الفلسطينية، من تراجع مخزون الأدوية لدى المورّدين "فلم يعد يبيعك المورّد الكمية التي تطلبها، بل أقل من حاجتك بكثير. وكذلك فإن المستلزمات الطبية تشحّ هي الأخرى. كما أن ارتفاع سعر صرف الدولار أثّر على عملنا الخيري، لأننا استمرّينا بالتسعيرة القديمة، مراعين الأوضاع الاجتماعية المستجدّة". وحول كيفية تغطية هذا العجز، يقول كريم إن الجمعية تتواصل مع جمعيات فلسطينية وغير فلسطينية خارج لبنان، وتلقى بعض التجاوب "لكننا في النهاية لسنا بديلاً من الأونروا".
(يتبع)