recent
أخبار الساخنة

"عاش" مشاركة... وانتماء

الصفحة الرئيسية


اشتهر الفلسطينين بقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة في مجالات التعاون والتكافل والتضامن. وكلنا يتذكر "العونة" حيث كان الأهل والأقارب والجيران يتعاونون للمساعدة في إنجاز عمل ما أو مهمة معينة يحتاجها أحدهم .في الافراح والمرض بتخفيف الأعباء وتكاليفه.

إلا أن نمط الحياة المعاصرة ومتطلّباتها أحدث تغييرا واضحا في القيم والمعايير وأنواع العلاقات الاجتماعية بين اللاجئن وما يتصل بها. هذا التغيير طرح تحديا لمختلف مكونات المجتمع وهيئاته ومؤسساته بما فيها الفصائل لمواجهة المتغيرات والتصدي للمتطلّبات والأحتياجيات في مجتمع المخيم، بشكل تشاركي وتعاوني يتلاءم مع طبيعتها، ويحيي قيما وعادات وتقاليد متوارثة عن الأباء تشكل جزءا مهما من هويتنا وثفافتنا الوطنية ويعزز انتماءنا الاجتماعي والإنساني والوطني .

لذلك لا بد من تظهير دور الهيئات المسؤولة، اجتماعية، تربوية، رياضية ثقافية والفصائل بهيئاتها في عملية إعداد وتفعيل دورها ومساهمتها في تعزيز القيم والتفاهمات التي يقوم عليها المجتمع، والتي تسهم في تطوره وحماية افرادة ازدهاره، بحيث يتعزز الرابط بين الخدمة والواقع والفصائل بهيئاتها والمجتمع الذي يعيش فيه.

لتحقيق هذا الغرض لا بد من نهوض فصائل العمل الوطني والهيئات الاجتماعية وتوجهها التوجيه الصحيح نحو التطبيق والممارسة العملية ، بأشراك هيئاتها في الخدمة المجتمعية لأنها تشكل المدخل الصحيح لتعزيز الانتماء الوطني والانخراط الحقيقي والعملي في الحياة العامة. لأن مسؤوليتها ليست نشاطًا واحتفالا ينتهي بانتهاء الكلمات أو تقديم الدروع،واخذ صور وتوزيعها على الفيس بك، بل هي نمط حياة تتضافر من خلاله جهودها بالهيئات والمجتمع للتخفيف من المعاناة والانحرافات والتشوهات والمشاكل التي يواجهها مجتمع المخيم. بالمساهمة في معالجتها نظرا لانعكاساتها السلبية على الفرد وعلى المجتمع. ومن هذه المشاكل على سبيل المثال لا الحصر: المشاكل الاجتماعيّة كالفقر والبطالة والانحراف والمخدرات والمشاكل البيئية والصحية كالمرض والعجز ووالمشاريع وغيرها....

ومن هنا... تأتي أهمية الخطوة الفردية الصغيرة التي يققوم بها أفراد متطوعين تظهرالقدرات، على اعادة احياء العادات والعلاقات الاجتماعية بمعزل عن كل التباينات السياسية. في ظل تعقد الحياة الأجتماعية وتطورالظروف المعيشية والتغيرات التقنيات المتسارعة، وتزايد كلفة العلاج واتساع دائرة الحاجةفي المجتمع، التي شكلت تحديا أمام الفصائل والهيئات الأجتماعية. والتي تستدعي تضافر كافة جهود المجتمع وهيئاتة وفصائلة لمواجهة هذا الواقع .

ولما كان العمل التطوعي يزيد من لحمة التماسك الوطني، تم تأسيس صندوق التعاضد الصحي "عاش"كنموذج لمشروع تشاركي والتوجة الى الوضع الصحي للتخفيف من كلفة العلاج.... واحتياجات الفقراء نحو التطبيق والممارسة الفعلية لفكرة التعاضد المجتمعي ، بهدف تحقق عملية الربط الصحيح بين افراد المجتمع والتكامل مع الفصائل والهيئات المجتمعية ، فيغدو التعاضد والتكافل بذلك أداة للفعل في الحياة والواقع ووسيلة فعالة لتنمية شخصية الفرد في العمل الاجتماعي كحق له وواجب عليه تجاه مجتمعه ووطنه.

ونظرا إلى أهمية هذا الجهد والفائدة المرجوة منه لا بد من إيضاح بعض الاشكاليات المتصلة به ليأتي الجهد التطبيق متلائما في منطلقاته وأهدافه والغايات المتوخاة من من تجربة تأسيس صندوق التعاضد الصحي "عاش".

ومن هذه الإشكاليّات:

1 - احجام مسؤولي فصائل المخيمات وقادتهم وخطباء المناسبات الا ما رحم ربي من المشاركة ماديا او معنويا في صندوق التعاضد الصحي "عاش".

2 – احجام رجال الدين والموعظين الا ما رحم ربي من المشاركة ماديا او معنويا في صندوق التعاضد الصحي "عاش".

3- احجام الشباب الفلسطيني المغترب عن المخيمات الا ما رحم ربي من المشاركة او تقديم الدعم المادي ل صندوق التعاضد الصحي "عاش".

4 – ضعف وغياب المشاركة المجتمعية في التعاضد والتكافل ....

ولهذا الغرض، هنا حاولت بتواضع، أن أُفكك علاقات القوة بين قيادة الفصائل وبين مجتمع المخيمات. راجعت وفحصت القاءات والاجتماعات الحوارات التي تجري داخل الاطر والهيئات ، وذهبت بعيدا لأرى ترجمات الخطاب النضالي للفصائل وخطباء المساجد والوعظين وعلاقتها كابناء لهذا المجتمع، خاصة في موضوع الخدمات الاجتماعية .

الفصائل والتخوف........!!؟؟

التخوف من أن تشكل الأنشطة والمشاريع التطبيقية في مجال خدمة المجتمع،احراجا مضافا الى تقصير الفصائل الفلسطينية . هو تخوف في غير محله. فقد دلت التجارب التي قام بها من سبقنا واتى بعدنا إلى اعتماد مشروع الخدمة الاجتماعية كانوا الأكثر قدرة على تنظيم وضبط مجتمعهم،لأن التكامل عبر خدمة المجتمع يكمل عمليتي التنظيم والبناء ويعززهما ولا يحل محلهما أو يلغيهما.

لما كان العمل التطوعي يزيد من لحمة التماسك الوطني. وإعداد جيل للحياة يعي أن انتماءه الوطني والإنساني لا يكتمل إلا من خلال اتصالهم بالآخرين كمدخل صحيح لتعزيز إنسانيتنا ويتثبت انتماؤنا ومشاركتنا الاجتماعية والمدنية الصحيحة والواعية في خدمة مجتمعنا فعلاً لا قولاً.عندها يستحقون صفة "فلسطيني" فالفلسطيني الصالح هو الفلسطيني الذي يرى أفعاله تتصل بالإنسانية بمعناها الشامل بعيدا عن الفصائلية وأية عصبية ضيقة أو تزمت أو تصرف متهور أو التعصب الأعمى في حياته اليومية...

ان احتضان ومواكبة الجمعيات المجتمعية والهيئات الطوعية ، تقع على عاتق المسؤولين الاوائل للفصائل في الساحة اللبنانية ، لأن تمكين الهيئات التطوعية والجمعيات الفلسطينية له أهميته في العملية المجتمعية، ويوليها المشروع الوطني أهمية خاصة. فالمشاركة في خدمة المجتمع تشكل مشاركة حقيقية في الالتزام المواطني. كما يشكل التنسيق بين الهيئات وادارة شؤون المخيم، معطى مهما من أشكال الاحتضان والرعاية، ويسهم في رفد المشروع الوطني بأشخاص قادرين على النهوض بمجتمعاتهم.

هنا.... وبعد عشرة اعوام من تجربة صندوق التعاضد الصحي"عاش" نتطلع الى الفصائل وهيئاتها التي اعتمدت نظاما دعائيا أدى لخمول في الرأية حال دون تطوير ممنهج للعمل، فكانت النتيجة في الغالب الالتهاء بادارة الأزمات بشكل يومي بدلا من الإعداد المؤسسي والممنهج للمستقبل، حتى أصاب الوهن والضعف أغلب مؤسساتنا وفصائلنا. ويبقى السؤال... لماذا يحجم الكثيرمنهم عن مشاركة اهلهم واخوانهم في الوقت الذي لا يبخلون بدفع إكرامية لنشر صورهم على المواقع والفيس بك............ ؟؟

رجال الدين والوعِظون...الذين لهم القدرة على توجيه المجتمع لأنهم على تواصل مباشر مع الناس وبمقدروهم أن يطلقوا او يسهموا بفكرة تشق طريقها إلى العامة. الواعظ الذي يرغب في الوصول إلى صلاح قومه ومجتمعة عليه أن يخالطهم ويتعرف على أحوالهم ويستمع إلى أقوالهم وآرائهم وينظر الى افعالهم. ومن ثم يأتي بالمواضيع التي تعالج تلك الأحوال معززة بالنصوص الشرعية. وقد عني القرآن بالتكافل ليكون نظاما لتربية روح الفرد، وضميره، وشخصيته، وسلوكه الاجتماعي، وليكون نظاما لتكوين الأسرة وتنظيمها وتكافلها، ونظاما للعلاقات الاجتماعية. ومن هنا فإن مدلولات البر، والإحسان، والصدقة، تتضاءل أمام هذا المدلول. فالتكافل الاجتماعي جزء من عقيدة المسلم والتزامه الديني، وهو نظام أخلاقي يقوم على الحب والإيثار ويقظة الضمير ومراقبة الله عز وجل، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادية، بل يشمل أيضا المعنوية؛ وغايته التوفيق بين مصلحة المجتمع والأدلة التي تبين فضل ودعوة الإسلام للتكافل والتكامل والتعاون كثيرة جداً ..

هنا وبعد عشرة اعوام من نشاط صندوق التعاضد"عاش" نتطلع الى رجال الدين ، والذين يتسابقون في التعازي ليأخذ دورة في الارشاد الديني ونسأل لماذا يحجمون حتى عن مشاركة اهلهم واخوانهم في صندوق التعاضد "عاش".......؟؟

وحتى يكون كلامي واضحا أسوق مثالا واحدا، يمثل قمة أدب الاختلاف. وهذا مبحث بسيط لم أعمد فيه إلى الاطناب أو الاطالة، ولكني أوردت الأفكار الأساسية لهذه الجهد الذي يعتبر مجالا مكرر لعادات وتقاليد شعبنا ، وددت أن أفتح به الباب أمام المهتمين بهذا الشأن للاستزادة والتوسيع من هذه الفكرة وبلورتها ومحاولة تعميمها للخروج بقراءات الى فضاء اوسع ، كما يمكن الخروج بفهم واضح لبعض الظواهر الاجتماعية التي نظرنا إليها من منظور الشفقة بدون أي مراعاة للخصائص التي تميز عاداتنا وثقاتنا في مجتمعاتنا .

وهنا تأتي أهمية الخطوات الفردية الصغيرة التي يقوم بها أفراد متطوعون ، والتي يجب عدم التقليل من شأنها لأن معظم الألم الذي نعاني منه كأفراد ومجتمع هو نتاج مباشر لغياب الحياة التنظيمية القادرة على إنتاج الكوادر والبرامج، أما الأشخاص فمهما علا قدرهم فهم غير قادرين على الانتاج بكفاءة منتظمة دون أن تحملهم مؤسسات فاعلة. نعم... الكل مسؤول عن ذلك، فإن أردنا ان لا تذهب أرواح أبنائنا وبناتنا سدى، فلندرك أن إدارة مجتمع المخيمات بحاجة لمراجعة جذرية، تتضمن إصلاحات اجتماعية امنية مؤسساتية جدية، كما تتضمن خطة واضحة لتطوير الاداء تركز على الأداء المؤسسي، هذا ما يجب أن تتجه الجهود إليه، من بناء لجان شعبية مؤسسية حداثية "بلدية"، بدلا من الالتفات لتوافه الأمور بينما تتصدع مخيماتنا من الداخل.

غازي الكيلاني – 2-10-2019
google-playkhamsatmostaqltradent